يوم الفقر العالمي.. مناسبة للتأمل

مرت قبل أيام مناسبة مهمة تحتفل بها المنظمات الدولية سنوياً منذ عام 1993، حين أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارها المرقم 196/47 باعتبار السابع عشر من أكتوبر من كل عام مناسبة عالمية يحتفل بها تحت مسمى "يوم الفقر العالمي". تتخلل هذا اليوم أنشطة للتعريف بحجم المعاناة التي يعانيها الإنسان وحجم الفقر في العالم ..

وما لذلك من عواقب على مستقبل الدول والشعوب التي تعاني من هذه المشكلة من جهة وما لذلك من تداعيات على الاستقرار والأمن والسلم في العالم أجمع من جهة أخرى. والحقيقة أن محاربة الفقر قد وردت كأحد الأهداف المهمة التي وضعتها المنظمة الدولية لمواجهة القرن الحادي والعشرين. هذه المناسبة تستحق بعض التوقف والتأمل لأهميتها لاعتبارات استثنائية لأنها تتعلق بالإنسان وظروف معيشته ومعاناته وعذاباته أياً كانت جذوره وأياً كانت معتقداته وأياً كانت مزاجاته وأهواؤه.

الفقر آفة مدمرة للإنسان على المستوى الشخصي وهو كارثة حقيقية حين يعم على قطاعات واسعة من الشعب، أسبابه متعددة ولها درجات مختلفة من الخطورة تختلف من مكان لآخر. معالم الفقر تتضح في انعدام الخدمات الصحية والتعليمية وقلة الدخل وانعدام الفرص للنهوض، وبعبارة أخرى معالم الفقر تتسم بالتخلف في جميع مجالات الحياة. وليس بالضرورة أن تكون بعض الدول فقيرة بسبب شحة الموارد فيها..

فبعضها يمتلك ثروات طبيعية لا تمتلكها دول متقدمة، مسببات الفقر تكمن في عوامل داخلية وأخرى خارجية. فعلى المستوى المحلي يشكل الفساد أحد أبرز معالم الحياة السياسية في البلدان الفقيرة..

حيث تتركز الثروات في أيدي عدد قلائل من الأفراد، ويحرم الآخرون من أبسط الحقوق في العيش الكريم في ظل انعدام الدستور أو عدم الأخذ به لتلبية الحقوق الدنيا للإنسان. أما السبب الخارجي فهو أن المجتمع الدولي لم يعمل بما يكفي لمقاربة هذه القضية الخطيرة، على الرغم من أن العديد من هذه البلدان الفقيرة كانت ولا تزال تزود الدول الغنية بالمواد الخام التي تحتاجها صناعاتها.

ولإعطاء صورة موجزة عن حجم هذه المشكلة نذكر أن 80% من سكان العالم يعيش على دخل يقل عن 10 دولارات يومياً، وأن ما يقرب من نصف سكان العالم، أي ما يزيد على 3 مليارات شخص يعيش على دخل لا يزيد على 2.5 دولار يومياً، من هؤلاء 1.3 مليار يعيش في حالة فقر مدقع ودخل لا يتجاوز 1.25 دولار يومياً، وحسب المعلومات الواردة في تقرير اليونيسيف فإن 22000 طفل يموت يومياً بسبب الفقر.

لا نريد أن ندخل في تفاصيل ما يتوافر من بؤس يرافق شحة المياه الصالحة للاستهلاك وعدم توافر الطاقة الكهربائية وسوء الخدمات الصحية والتعليمية أو انعدامها وتفشي الجهل وانتعاش الشعوذة وغياب الحد الأدنى من حقوق الإنسان، فهي مواضيع مؤلمة يطول فيها الحديث ويتشعب كثيراً. فقد أصبح الجوع السبب الأول في الوفاة في العالم، حيث تزيد ضحاياه على مجموع ضحايا أمراض نقص المناعة والملاريا والتدرن الرئوي حسب التقارير التي تصدر عن منظمة الغذاء العالمية.

لعل من المناسب في سياق الحديث عن الفقر في العالم توضيح مدى التباين بين طريقة الحياة وطبيعة الاستهلاك في الدول الغنية مع مآسي الدول والشعوب الفقيرة، التباين الذي صنعه النظام العالمي. فوفق الإحصائيات الصادرة عن برنامج الأمم المتحدة للتنمية على أبواب القرن الحادي والعشرين فإن مجموع ثروات أغنى 225 شخصاً في العالم يعادل مجموع ثروات أفقر 2.5 مليار شخص..

وإن المبالغ التي تصرف سنوياً في الولايات المتحدة وحدها على تغذية الحيوانات المنزلية الأليفة (الطيور والأسماك والقطط والكلاب) قد ارتفعت من 17 مليار دولار عام 1994 لتصبح 55.5 مليار دولار عام 2013، حسب الإحصائيات المنشورة من قبل رابطة منتجات أغذية الحيوانات الأليفة الأميركية.

وأن ما يصرف في الولايات المتحدة وأوروبا على المواد ذات العلاقة بالتجميل وصل مبلغاً قدره 12 مليار دولار، وهو يزيد بمقدار 3 مليارات دولار على المبلغ اللازم، حسب ما ورد في تقرير المنظمة الدولية، لجعل المياه في جميع الدول الفقيرة صالحة للاستهلاك مع توفير القواعد الصحية الأساسية لذلك.

نسمع بين الحين والآخر عن منحة تخصص لمعالجة إحدى المشكلات التي تعاني منها الدول الفقيرة خاصة ما يتصل منها بأمراض الأطفال ترصد من قبل بعض الأثرياء في بعض دول العالم، وعلى الرغم من نبل المقاصد التي تكمن خلف هذه المبادرات إلا أن آثارها محدودة لا تلغي الحاجة إلى جهد دولي حقيقي تتولاه الأمم المتحدة لا يقتصر على تنظيم الإعانات المالية وتقديم الخبرات الإدارية والفنية وإنما اعتماد طرائق أخرى أكثر فاعلية على المدى البعيد لمعالجة هذه القضية الآخذة في التفاقم.

في هذا الصدد نسلط الضوء على أحد أبرز العوامل التي تعرقل تقدم البلدان الفقيرة، إنها الصراعات الداخلية التي تتأجج مع تزايد تصدير السلاح للأطراف المتصارعة. فتصدير السلاح إلى هذه البلدان الفقيرة يجعل من غير الممكن البدء بتنفيذ أي برنامج تنموي حقيقي، أحد الأمثلة على ذلك ما يجري في الصومال منذ عشرات السنين.

فالدول أو المنظمات أو الشركات التي تورد السلاح إلى هذه البلدان ينبغي أن تخضع لمحاسبات عسيرة في ضوء قانون دولي صارم يُشرع لهذا الغرض يفرض عليها عزلة صارمة وعقوبات دولية.

فوضع المزيد من القيود لحصر هذه الصراعات وتجفيف مصادر تمويلها المالي أمر ضروري لتسهيل عمليات المنظمات الإنسانية التي تعجز عن تقديم المساعدة أو المؤونة اللازمة رغم جهوزيتها، فالمنظمات الدولية ينبغي أن تحرص على إمداد هذه المناطق بأسباب الحياة وليس بأسباب الموت التي يتسابق تجار السلاح على تصديرها.

يوم الفقر العالمي مناسبة عالمية لا تلقى ما ينبغي أن تلقاه وتستحقه من اهتمام، إلا أنها على أية حال مناسبة متاحة للتأمل، مرة واحدة في السنة، بحال إنسان فقير جائع يحاصره اليأس من كل جانب، أنها مناسبة للتأمل بحقوق الإنسان.

( البيان الاماراتية 2013-10-25 )