(والأَخِرَةُ خيرٌ وَ أَبْقى) الأسير عثمان سعيد احمد بلال

تم نشره الأحد 27 تشرين الأوّل / أكتوبر 2013 02:37 صباحاً
(والأَخِرَةُ خيرٌ وَ أَبْقى) الأسير عثمان سعيد احمد بلال
فريق دعم الأسرى

في فلسطين يتجرع عشاقها الحب مع اول رضعة و وربما هو أمر فطري , أمر جيني يسري في دمائهم .. عُشاقها ليسوا بالقلائل ولكنهم ليسوا بالكثيرين الذين يبدعون في هذا العشق الأسمى فيكبرون و يتعمق حبها في قلوبهم, ويزداد تأصل هذه العاطفة لتصبح فكراً ومنهجاً ومنطلقاً لعمل وجهاد وكفاح, و كل على ليلاه اضناه الهوى وكل اتبع طريقة بالعشق و مبادلة المعشوقة بالهوى أما عشاق هذه المزيونة ما أن نادتهم حتى لبوا النداء , فاختاروا طريق واحد لا رجعة عنه , قدّموا لها أغلى المهور، قدموا لها الروح والشباب و عزفوا لها على زناد القلم و السلاح فمنهم من قاتل فخاض بحر الموت سعياً إلى الحياة ومنهم من بقي في كل يومٍ يتجرع مرارة أسرٍ و انتظار و ما بدلوا تبديلا, وما كان منهم إلا صبراً جلد ، منبعه اليقين والاحتساب فكانوا مثالاً لقول الغزالي "من لمح اجر الفجر هانت عليه ظلمة التكليف "فهانت عليهم كل الصعاب فداءً لهدفٍ هو الأنبل" .

الأسير عثمان بلال احد اولئك العشاق ذاك القيس الذي اختار فلسطين ليلاه .. اختارها لينال مراده اما الحياة كريمة في دنيا الاحرار او الحياة في الخالدين بجنة قد تمناها..

ميلاد الشبل و بداية الطريق :

ولد الاسير عثمان في مدينة نابلس عام 27/ايار 1975 ، و ينحدر اصله من قرية طلوزة شمال نابلس في الضفة الغربية في بيت اسلامي مقاوم عاشق للوطن .. فهو ابن الشيخ سعيد بلال أحد مؤسسي الإخوان المسلمين في فلسطين و حركة المقاومة الاسلامية .. زرع الشيخ سعيد بلال في نفوس أبناءه الخمسة "بكر و معاذ و عمر و عبادة " ، الذي كان عثمان ثالثهم ، حب الوطن و حب الشهادة وضع نصب عينيهم هدف واحد اما النصر او الشهادة و الطريق واحد لا بديل عنه .. المقاومة, زرع فيهم أسس التضحية و العلم و العمل و الثبات و الجهاد و الفهم و التجرد و الزهد ..

تربى عثمان في كنف المساجد و داخل حلقات العلم و التحفيظ .. كان عثمان طفل هادئ و إذا ما غضب من شيء حتى يكتمه في نفسه و لا يقول أي كلمه فهو من أصحاب الأفعال لا الأقوال .. ينفذ ما يريد بصمت . التمس فيه والده و والدته صفات القائد و قالوا عنه أنه من كثيري البكاء في الصلاة و حافظ لكتاب الله يحرص على أداء الصلاة في جماعة و محبوب جدا و عقلاني ,و صاحب فِكر كالمتاهة , و دبلوماسي , و خفيف الظل .. كان يرى عثمان من صغره , النهج الذي اتبعه أبوه و إخوته الذين يكبرونه فقد ابصرت عيناه من ساعات وعيهِ الأولى حملات الاعتقال التي كانت تُشن على والده و أخيه البِكر "بكر" ، فقرر المقاومة بأسلوبه و طريقته بحرفية مميزة , و قلب مخلص , و تحركات خفية ذكية متقنة و كانت بداياته مع رمي الحجارة و الملوتوف المصنع يدوياً في نقاط التماس التي كانت تحصل في الضفة الغربية و كان حتى في أيام مراهقته يتعرض للأسر نظراَ لخلفيته ,فيتم أخذه على يد الجيش الملعون من الساعات الصباح الأولى حتى آخر الليل فيعود منهكاً من كثرة الضرب الذي يتعرض له , أهو وجهه الملون بلكمات الأيادي القذرة ام رجليه اللواتي أبيّن الانكسار للإنهاك بعد ساعات من الشبح.

ليس الأسر فقط الذي باغت ذلك المتمرس ، فقد باغتته مرة اثناء اشتباكات رمي الحجارة رصاصة غدارة جاءت من أيدي مرتجفة لصهيوني فارغ مغتصب في منطقة خطرة و حساسة في قدمه اليمنى ، و لو لا لطف الله لكانت بترت ولكن الله كان يحضره لشيءٍ اعظم .. وكان هنالك تكملة لهذه الحكاية التي لم تكلل بالنهاية التي ارادها عثمان !!

عثمان في معترك الشباب المجاهد :

عندما أصبح عثمان في السادسة عشر من عمره ، بدأت معالم وجهه و جسده تتلاءم مع روحة التي مارست الرجولة بل الرجولةُ مارستها منذ أول سنوات شبابه ، بعد أن أصر على نزع ثوب الطفولة مبكراَ ، فهو شاب طويل القامة ، جهم البُنيه ، هنا لم يعد يناسب عثمان تقنية رمي الحجارة و المولوتوف ، بل أراد شيئاَ اكثر فتكاَ و تأثيراَ شيء ، يفرغ بعض من حقدة و غضبة على الصهاينة الغاصبين فالتحق بأول خلية قام الشهيد يحيى عياش بتشكيلها في الشمال التي كانت بقيادة الأسير عبد الناصر عيسى و التابعة لكتائب الشهيد عزالدين القسام الجناح العسكري لحركة حماس .

لفت عثمان أنظار قادته في خنادق الجهاد بشجاعته و طاعته و التزامه بالأوامر, و عدم المخالفة فقد أُمر مرة أن يذهب إلى عمارة العنبتاوي الموجودة في وسط مدينة نابلس مقابل دوار الشهداء لأخذ بندقية احد الجنود و عن طريق التسلل و الانسحاب خلسة !! و لكن و لسوء الحظ انتبه الجندي هو ليس حظاَ عاثراَ أصاب عثمان لا بل أصاب الجندي فعندما حاول الاستنجاد بمن حوله من جنود قام بطعنهِ بسكين في صدره و لكن و للأسف و دون انتباه ذلك البارع سقطت منه بطاقة هويته في منطقة مقتل الجندي ليتم اعتقاله في ذات الليلة و ذاق هناك في غرف التحقيق ما ذاق من سجائر لا زال جسمهُ يحمل اثار بعضها حتى اليوم و فرك بالملح لفمه و عينيه و غرف العصافير التي مكث فيها ليالي - و هي عبارة عن غرف يتم وضع بعض الممثلين البارعين ليمثلوا دور المجاهدين المثاليين على الأسير، يتكلم لهم و يخفف عن ما يحمل في صدره و ما يختزن في عقلة و لكن ليس على عثمان - و خرج من السجن دون أي اثبات للتهم فقد قال ان الهوية مفقودة منذ شهور و ما ذنبي إذا و جدت هناك .

شكل جديد و قلب اشد:

خرج عثمان من السجن و لكنه لم يكن عثمان فقد لاحظ علية اهله و أصدقاؤه تغيرفي لباسه و طريقة تفكيره ترى ما اصاب عثمان من كان يتردد للمساجد الآن يهيم في الشوارع مع سماعات تترنم بالأغاني الغربية و سجائر لا تفارق رائحتها غرفته حتى جلس معه والده و قال له لا تكلمني حتى تقول لي ما بك او تصلح حالك الذي بات لا يسر فقال : " هذه حياتي و أنا حر بها "

عثمان كان ينطق كلمات مخالفة لما يعتمل بعقله و قلبه فهو لم يفعل ذلك إلا لأنه بات يُراقب في كل مكان , المسجد , السوق , المدرسة , فغير من ملامحهِ علهُ يزيح الانظار او يتوهها عنه قليلا فهو لم يكن يدخن السجائر إنما يشعلها حتى تتعبق رائحة الغرفة و لم يكن يترنم بالأغاني بل كان على الوجه الاخر من الشريط اناشيد جهادية حماسية تدب في روحة المزيد من همةِ المقاومة و العمل ،و كان يعود من امتحانات الثانوية العامة إلى مصنع المتفجرات ليَصنع ما يَصنع إلى جانب معلمه و زميله عبد الناصر عيسى و مراقبة المواقع و متابعة النقاط العسكرية

في هذه الفترة قام الاحتلال بمحاولة اغتيال , ففكرةُ التخفي لم تنطلي عليه و تمت العملية كالتالي حيث كان الأسير عثمان يمشي في منطقة دوار نابلس فاذا برصاصة تأتية لتتمركز في منطقه خطيرة في الكتف الايمن و لكنة لم يمت كانت الخطة أن يتم قتلة بشكل نهائي على يد جاسوس كان ينتظر في محيط العملية ليجهز علية بعد و ضعة في السيارة و لكن إصابة رماح القدر للقادر المقتدر قام شخص آخر بأخذ عثمان للمشفى و هو ينزف قبل أن يأتي الجاسوس ، واخبر الطبيب عائلته أنّ الرصاصة من الممستحيل إخراجها و الشلل قد يصيبه و لكن لم يحدث ذلك فالدعوة و الوطن ينتظر، فنجّاه الله بقدرته و بقيت الرصاصة حتى الآن في جسده.

حي العزيمة في مقابر الاحياء :

جاء الآن الموعد للتفيذ الفعلي لساعات من التجهيز و التعليم و التصنيع و العمل دون كلل لتجهيز الاستشهادي سفيان جبارين ليفجر نفسه في المنطقة الغربية داخل المحطة المركزية للحافلات في مدينة القدس و تم نقل الاستشهادي و لكن و قبل ان يفجر نفسة هنا كانت العقدة حيث تم القبض على عثمان في عملية اسر ضخمة فتم تطويق المنزل و سيطرت اجواء الريبة على المكان فأحس عثمان و عرف ماذا سيحدث أما إغتيال و هذا هو نهاية طريق او اعتقال فكان اعتقال و تم نقلة الى سجن نابلس المركزي لتبدأ رحلة العذابات و الآهات و التعذيب من قلوب متحجرة بل اشد قسوة

عثمان مكبل اليدين و الرجلين مطأطئاً رأسه ليس ذلاً بل احتساباً و صبراً و أمامه ذلك صاحب النظريات التي درسها على يد أمهر الاطباء النفيسيين في استخراج المعلومة و النظرات الماكرة المحقق الصهيوني "ستيف " و الملقب "بأبو سكسوكة" ساعات من التكلم , و التحايل ساعات , من الصراخ هو يحرق لفافة تبغ تلو الاخرى و الوقت يحترق , و العملية تقترب حتى انفجر غضبا من سكوتة منادياً أفراد التعذيب الجسدي ليأخذوه و يأخذ هو قسط من الراحة, ولم يفلح مع صاحب العزيمة .. صعقات كهربائية ,و هزات قد تصيب بارتجاج بالمخ ,و إبر من تحت الأظافر و شبح بسقف الغرفة و ضرب بالكرابيج ما هذه العزيمة يا عثمان و إذا صرخت ,صرخت مكبراً محتسباً , بقي الصمت حليفاً لعثمان و إذا فتح فمه ليس للكلام وبل ليبصق من فمه ما افتعل التعذيب من دماء– افتعلت اللكمات المتتالية تمزق في لثته في فكه العلوي من الجهة اليسرى و تم اجراء عملية له في ما بعد - حتى جاء المحقق ليوقف الأمر لثواني و هو يصرخ بجنون لقد فعلتوها يا ابن ... بأبشع و اقذر الالفاظ كقذارة من يلفظها لقد وقعت العملية ,و قع عشرات القتلى و الجرحى صاح عثمان مكبرا لينهال علية الجنود بالضرب .

بعدها اقر عثمان و قال تفاصيل العملية و هل التفاصيل الان تهم بعد ان وقعت و هل يهم الآتي .. المهم ما مضى .. "الف عام الفي عام من السجن سأحكم .. هي لله .. للوطن .. و للجنة "

خرج الأسير عثمان بلال من التحقيق الى غرف السجن و حكم بمدى الحياة مرتين .

عثمان في غياهب السجن :

حتى بعد دخوله السجن لم تهدأ النار المشتعلة بداخله و لهيب الشوق الى عبق النصر او ريح الجنة .. فقام بمحاولة للهرب من السجن هو و مجموعه من رفاقه من خلال حفر أنفاق تحت الأرض ولكنها فشلت في مراحلها الأخيرة حيث اسطاعوا أن يحفروا نفق و كان بينهم و بين الوصول الى الحرية بضع الجهود من الحفر ولكن بسبب خلل في مجارير السجن كشفت الأنفاق حيث كانوا يرمون بتراب الحفر في المرحاض مما أدى الى انفجار انابيب الصرف الصحي و اكتشاف الأمر , وعلى اثر ذلك تم عزله لبضع شهور.

أتم عثمان منذ بضع شهور 26ساعة من دراسة مساق الصحافة و الاعلام داخل السجن في الجامعة العبرية و لكنه مُنع من إكمال تعليمه في هذا المجال و هو حاليا يدرس التاريخ من داخل السجن عبر الجامعات التي لهاالقدرة على الاتصال معها

عثمان موجود حاليا في سجن النفحة الصحراوي ما زال عثمان الذي مضى على سجنه 18 عام و بلغ 38 سنه من عمره في السجن

و بات يحيرني سؤال أيا صاحب الخوارق و البطولات ماذا يعتمل في داخلك من أين الصبر بالله علمني فقال لي في زيارة لي له .. عندما سُجنت و كنت أعلم ماذا ينتظرني من حكم كبير فكنت اقرأ في سورة الاعلى و وصلت الى جزء و كأنني اقرأه للمرة الاولى و هو - قال تعالى " بل تؤثرون الحياة الدنيا و الآخرة خيرٌ و الابقى " و بقيت أقول " والآخرة خير وأبقى " لساعات و هنا تكمن الحكاية..



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات