المشاركة الخفيّة مع «إسرائيل»

من يتابع الصحافة ووسائل الإعلام في الأشهر القليلة المنصرمة التي أعقبت الانقلاب العسكري في مصر، والإطاحة بالرئيس المنتخب، وإعلان الحرب على المجالس الشرعية المنتخبة وحلها، وإلغاء كل الاستفتاءات السابقة ونتائجها، وإلغاء كل ما نتج عنها من لجان وتشكيلات، وتعطيل الدستور ووقف العمل به، وإعلان حالة الطوارئ وفرض حظر التجول لساعات طويلة، وسن قوانين موغلة بالتخلف ومقيدة للحريات، ومصادمة لحقوق الإنسان والبشر؛ يجد العجب العجاب.
فأول ما يلفت الانتباه هو تعبير الصحف الصهيونية والكتاب والسياسيين الصهاينة عن سعادتهم الغامرة وفرحهم العميق بتغيير نظام الحكم في مصر، وتغيير وجهة الربيع العربي كلّه، وتحويله الى خريف بل الى كابوس مرعب يجثم على صدور الشعوب العربية، ولا يخفون احتفالهم المجيد في القدرة على تشويه ثورة العرب الحديثة عن طريق الاستعانة بوسائل الإعلام الموجهة، التي نشأت على حواف الأنظمة البائدة، وكذلك الاستعانة بجيش من السياسيين والكتاب المعادين للفكرة الإسلامية إجمالاً، والاستعانة ببقايا الأنظمة العربية وأدواتها وصنائعها وأذرعها وأموالها.
ولكن ما هو أشد لفتاً للانتباه أن هناك شركاء حقيقيين مع الكيان الصهيوني في الفرحة والسعادة والحبور التي ظهرت بشدة من قوى سياسية وأطراف حزبية عربية عديدة، تتكلم باللغة نفسها، وتعبر عن المشاعر نفسها، وتمتلك الوجدان نفسه، ولقد قال أحدهم بكل وضوح وصراحة أن أسوأ ما في ثورات الربيع العربي: «الإتيان بالإسلاميين»، مع أن هذا السياسي يعلم تمام العلم الى حد اليقين أن الإسلاميين جاءوا وفقاً لاختيار شعبي نزيه، يعد هو الانتصار الحقيقي للشعوب العربية، التي تكافح وتناضل وتجاهد من أجل التخلص مع من يثير الاستبداد والأحكام العرفية، وتحرير الشعوب من التسلط والديكتاتورية التي أودت بالكرامة العربية، وأعاقت النهوض، وعرقلت عجلة التقدم والتحضر، وكرست الفرقة وأمعنت في ترسيخ معاني التخلف والجهل، وعملت على جعل الفقر سمة لمجتمعاتنا على كل الأصعدة السياسية والاقتصادية والعلمية والاجتماعية.
إن هذه الأطراف خضعت بطريقة غريزية للكراهية السوداء الممزوجة بتعصب حزبي واختلاف سياسي غير مبرر، مما جعلها تنخرط بوعي في مجزرة وأد الحرية وذبح الديموقراطية من الوريد الى الوريد، وليكن ذلك إذا كان الثمن ذهاب الإسلاميين ومنع وصولهم الى السلطة.
والمشاركة الأخرى بينهم وبين (إسرائيل) في الهجوم على أردوغان، وإعادة نبش التاريخ والتركيز على وصف الحقبة التركية (بالاستعمار)، واستخدام مصطلح العثمانيين الجدد!!
هذا التطابق يجعلنا ندرك أسرار اللعبة التي استمرت نصف قرن من الزمان، حيث تم زرع الكيان الصهيوني في قلب العالم العربي، وأخذ ينمو وينمو ويمتلك أوراق القوة، ويبتلع الأرض في ظل اكتفاء هذه الأنظمة وما يحيط بها من قوى وأحزاب وأدوات ووسائل إعلام وكتاب، بالشعارات الفاقعة والنضال الورقي والحروب الصوريّة!!
ليس هناك أشد خطورة ممن يشيع الفرقة ويرفع شعار الوحدة، ويسرق في ظل النزاهة ويبطش وهو يحمل سيف العدالة، ويذرف الدموع حزناً على الجياع وبطنه مليء بدم الضحايا، ويقتل وينهب ويغتصب ويسمي ذلك ديموقراطية!!
فيتم مسخ الألفاظ الجميلة، وتقلب معاني المصطلحات النبيلة، وتتم المسابقة في المزايدة بلا حدود وبلا سقوف ولا ميزان أو»قبّان».
( الدستور 2013-10-28 )