عبرا والبارد .. من ورائكم ؟

يثير التبرير المتمادي لعجز الدولة عن حسم مأساة طرابلس التقزز لفرط ما يمعن اصحابه في التظلل وراء "المعطيات الاقليمية" التي تمنع هذا الحسم. ولعلنا لا نبالغ مع غالبية ابناء طرابلس ان ذهبنا الى الظن بان الترهيب وحده يحول دون اقدام القوى العسكرية والامنية من المضي في خطة رادعة وحاسمة لانهاء جولات الموت المقسط بجرعات منهجية متعاقبة تنهش عافية هذه المدينة. الترهيب لا يقف فقط على الافراد بل ينسحب على المؤسسات السياسية والامنية. لكن في طرابلس ثمة ما يتكشف عن بعد آخر شديد الخطورة هو الدفع نحو اعلان الجمهورية اللبنانية دولة فاشلة بالكامل.
من حق الطرابلسيين ومعهم اللبنانيين الذين لم تسحقهم بعد قناعة يائسة بتهاوي الدولة ان يقارنوا بين تجارب تمكنت الدولة من خلالها من شرب حليب السباع وحسم حالات متمردة هددت مناطق لا تختلف اوضاعها وارتباطات جماعاتها عن عاصمة الشمال الجريح. آخرها حضر بالامس مع صدور الادعاء على اكثر من سبعين موقوفا ومطلوبا في ظاهرة الاسير وتمرده في عبرا تصل الاحكام المطلوبة فيهم الى الاعدام.
بصرف النظر عما رافق وواكب واعقب وما سوف يعقب هذا الملف حسم الجيش تلك الظاهرة ونجت عبرا وصيدا من الاستباحة والفتنة.
ولا نعتقد ان معركة نهر البارد قد طواها النسيان وهي المخلدة في نصب شهداء الجيش في بلدة حلبا. آنذاك ايضا تمرد الجيش ومعه الدولة اللبنانية على " معطيات اقليمية" ولولا ذلك لكانت امارة اعلنت وتمددت على مناطق واسعة من الشمال واهم ما ميز ذلك الحسم المكلف للجيش ان معظم شهدائه كانوا من المذهب السني وان اقوى الدعم للجيش كان من القوى السنية.
انه معيار اضطراري للتصنيف المذهبي في هذا السياق لان كثيرا من التعمية يتصاعد الآن في فلسفة منطق خبيث يراد له ان يردي مصير طرابلس بذريعة زمر الاحياء السنية التي تواجه قلعة جبل محسن ومن ورائها النظام السوري. حتى مع التسليم بان ثمة اطرافا خليجيين يدعمون جماعات مسلحة في مواجهة ترسانة مدعومة من النظام السوري فان ذلك يحتم آخر الدواء اي الكي والحسم الشرعي الملح.
ما معنى المهادنة غير المبررة وغير المفهومة في المدينة حين كانت التفجيرات المفخخة تقوم "بالواجب القومي" واذ بالهدنة تنهار على وقع انغام في غاية الرقة حملها كلام لرئيس النظام السوري؟
معناه "بالعربي" الفصيح ان دولتنا مرهبة وخائفة ولا تملك زمام الشجاعة في انقاذ طرابلس ولا في مواجهة المرهبين ولا داعي للمناداة على دولة فاشلة لم تعد قادرة على مجرد تقليد نفسها لانها غدت كآخرين لم تحملهم ركابهم منذ عزفت الحان الترهيب في طرابلس على وقع ذلك الحديث العذب!
( النهار اللبنانية 2013-10-29 )