على العرب أن يأخذوا زمام المبادرة

رفضُ السعودية المقعد غير الدائم في مجلس الأمن وانتقادها العلني للسياسة الأميركية في الملف السوري، والتي تعتبرها غير متماسكة ولامبالية، يشكّلان مفاجأة لكنهما ضروريان وملحّان. إنه ردّ متأخّر، لكنه يكتسب أهميّة كبيرة.
يطالب بعضنا منذ عقود بأن يتحلّى العرب بالعزيمة وقوة الإرادة. فقد تساءلنا مراراً وتكراراً، لماذا لا يستخدم العرب نفوذهم لدفع حلفائهم الغربيين إلى اعتماد سياسة خارجية أكثر توازناً في المنطقة؟ ما عدد اجتماعات الأمم المتحدة التي حضرها الزعماء العرب على مر السنين؟ ما عدد قرارات الأمم المتحدة التي رأوا إسرائيل تتجاهلها، وما عدد الفيتوات الأميركية التي شهدوا عليها من غير أن يعبّروا عن أي احتجاج؟ إنه لأمر محيّر فعلاً أن العرب يعتمدون على الغرب في شكل عام، وعلى الولايات المتحدة في شكل خاص، لحل المشكلات وتأدية دور الحكَم في الأماكن حيث هم في الموقع الأفضل لمعالجة الأمور وتسلّم زمام المبادرة.
منذ اقتلاع الفلسطينيين من أرضهم حتى يومنا هذا، لم تتمكّن الأمم المتحدة، وجميع أعضائها، ولا سيما منهم الدول العربية، من اقتراح رؤية، فما بالكم بطرح حل للنزاع الفلسطيني - الإسرائيلي؟ فلنأخذ حربَي العراق على سبيل المثال. ما الموقف الذي اتّخذه العرب على المستويَين الفردي والجماعي لمنع العدوان من الأنظمة العربية الأخرى أو من القوى الأجنبية على أرضهم؟
بعد الأحداث المأسوية في 11 أيلول، اعتقد كثرٌ بيننا أن أمام العرب والمسلمين فرصة فريدة لترتيب البيت الداخلي وجعل كل الدول مكاناً آمناً يحتضن مواطنيه وينبذ الإرهابيين. إلا أن تنظيم "القاعدة" بات يشكّل تهديداً أكبر بكثير، وصارت له فروع محلية في بلدان عدّة جاهزة لشنّ هجمات من دون سابق إنذار، بما يتسبّب بالكثير من الأضرار ويزرع الخوف في النفوس. لا يزال التنظيم ينتشر ويتوسّع في مناطق مثيرة للشبهات، مثل السعودية وليبيا واليمن والصومال والعراق، وينشر الآن عناصره في سوريا والأردن ولبنان وكردستان ومصر وتونس وسواها الكثير من البلدان التي تؤمّن له ارضا خصبة للانتشار. وفي غضون ذلك، باتت إيران المتطرّفة تمتلك نفوذاً حقيقياً لا يمكن الاستهانة به.
عوض تحميل الولايات المتحدة مسؤولية مصائبنا، فلنحاول أن نتحلّى أولاً بحسّ المسؤولية. فلنحاول أن نكون صادقين مع أنفسنا ومع شعبنا. فلنحاول تصحيح الأخطاء التي نتحمّل وحدنا مسؤوليتها.
تستطيع السعودية أن تأخذ زمام المبادرة بنفسها وسبق لها أن فعلت من قبل، لكنها أحجمت دائماً عن المضي قدماً عندما تكون المجازفة ضرورية. تحاول قطر الاضطلاع بدور قيادي أيضاً. لكن القيادة تتطلّب التحلّي بالمسؤولية والتضحية. فمن أجل أن تتمكّن هاتان الدولتان من القيادة، عليهما أن تحشدا جميع العرب حول موقف موحّد من الملف السوري من دون تدخّل غربي. فعندئذٍ فقط، تكتسبان احترامنا ونعيرهما آذاناً صاغية.
( النهار اللبنانية 2013-10-30 )