معارك الطحن الذاتي

تم نشره الأحد 03rd تشرين الثّاني / نوفمبر 2013 01:56 صباحاً
معارك الطحن الذاتي
د.رحيل محمد غرايبة

اندلاع المعارك بين الحوثيين والسلفيين في منطقة (داماج) قرب مدينة صعدة اليمنية، التي يتم فيها استعمال الأسلحة الحديثة والصواريخ التي تدمّر البيوت والمدن عن بعد، دون اعتبار لحياة المدنيين، يمثل الوجه الجديد للون جديد من المواجهة القادمة التي سوف تجتاح العالم العربي قريباً.

النموذج اليمني القادم سوف يكون استمراراً لحرب داخلية بين مكونات الشعب اليمني، التي تم شحنها وتعبئتها بخصومة مذهبية دينية متعصبة لا تقبل وجود الاخر ولا تعترف بحقه في الحياة، ثم يجري تسليحها وامدادها بالمال والخبرة العسكرية، وتدريب قادتها على القتال...

النموذج الصومالي المستمر منذ عقود طويلة، أصبح تجربة مخبرية يراد تعميمها الى بقية الدول العربية، بحيث يتم إغراقها في معركة داخلية مستمرة ودائمة تقوم على مبدأ الإقصاء التام و معنى الإفناء والإنهاء من الوجود، وهناك مؤشرات على دعم الفريقين المتقاتلين في الوقت نفسه بالسلاح والمال والخبرات، وكلما أراد فريق أن يحسم المعركة يتم التدخل لمنع هذا الحسم وإعادة ترجيح الكفة للطرف الآخر من أجل ضمان استمرار معركة الطحن الذاتي .

العراق تسير على المنوال نفسه، بفضل وجود الجهلة في الطرفين، وبفضل توافر العقليات المشحونة بالتعصب المقيت، وعقلية الاستحواذ على السلطة والاستفراد بالمشهد، وامتلاك لغة واحدة تقوم على استعمال القوة والعنف، ولا تؤمن بمبدأ المشاركة ولا تقر بالتعايش ولا تستطيع إدارة الاختلاف والتنوع الذي يعد سمة لكل المجتمعات البشرية.

إن مشهد مالي ونيجيريا في افريقيا لا يخرج عن هذا النموذج، وقد ساد في الجزائر لمدة تزيد عن عشر سنوات من القتال والقتل البشع الذي أدى الى قتل مئات الآلاف فضلاً عن اضعاف الدولة وتفكيك المجتمع، وتأخير مسيرة التقدم وإذكاء جذوة الصراع في صفوف الشعب الواحد.

فهل يراد لهذا النموذج مزيداً من التعميم في سوريا وفي مصر والسودان ، وذلك عن طريق الاستعانة بأنظمة عسكرية متسلطة لا تعرف إلّا لغة السجن والاعتقال والسحق والإبادة من جهة، ومن جهة أخرى البحث عن فئات مسلحة لا تعرف إلّا لغة العنف والمواجهة بالقوة وإمدادها بالمال والسلاح، والعناصر المدربَة التي تأتمر بأوامر صاحب المال والسلاح الذي لن يكون عملاً خيريّاً، بل هو وفقاً لمخطط مرسوم سلفاً.

ليس هناك أي دولة عربية خارج نطاق تعميم هذا النموذج، وهناك بذور للاختلاف والتعصب يمكن استثارتها و استثمارها في هذا السياق في كل وقت، فعندما لا يكون هناك خلاف ديني أو مذهبي، يتم البحث عن خلاف عرقي أو جهوي أو فكري، ودائما هناك من يملك الاستعداد لخوض هذه المعركة بكفاءة.

على القوى السياسية الراشدة، وفي مقدمتها الحركة الاسلامية أن تكون واعية لهذه المخططات، وأن لا تجعل من نفسها وقوداً لمعركة داخلية، وأن لا تستجيب لكل عوامل الاستفزاز وأسباب الإثارة، وعلى الأنظمة العربية أن تكف عن الاستجابة لرغبات استخدام القوة والعنف وأن تكف عن عملية تدمير الذات.

على جميع الأطراف أن تنتبه للتدخلات الخارجية ، وأن تضع حداً للاختراقات الخطيرة التي تفتك بمكونات المجتمع الداخلي، وأن يتم البحث عن صيغة تؤمن الحد الادنى من المشاركة السياسية الفاعلة، التي تمنع الانقسام وتحول دون الفتنة.

( الدستور 2013-11-03 )



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات