الفن والسياسة

مشاركة أهل الفن بمؤتمر الحرية والصحافة والدين الذي تم عقده في فندق (لاند مارك) تحت اشراف وإدارة مجموعة مؤسسات تتمثل بالمعهد الملكي للدراسات الدينية، ومعهد الإعلام الأردني ومؤسسة فريدريش ناومان، ومركز الدفاع عن الحريات الإعلامية، يعد بادرة جيدة وضرورية، من أجل تعاضد الأدوار وتكاملها بتوسيع دائرة الحوار المجتمعي المعمق للوصول الى مدارات أكثر فاعلية في التواصل بين دوائر التأثير والتوجيه في المجتمع.
لقد سررت بمقابلة الفنان المبدع زهير النوباني، الذي أخبرني بمتابعته الحثيثة لمجموعة المقالات التي أواظب على اصدارها على صفحات الدستور الاردنية وقبلها في جريدة العرب اليوم، في المرحلة المتصرمة، وشعرت بمزيد من التفاؤل عندما وجدت هذا التقدير و الاهتمام من شريحة الفنانين بهذا اللون من الافكار وتعميم ما ورد فيها من آراء تستحق النشر، كما سررت بمقابلة الفنان الكبير نبيل صوالحة الذي أشاع المرح والضحك بكلماته الذكية في ردهات المؤتمر، كما لمس بمداختله القصيرة مشكلة اجتماعية تستحق الاهتمام والمعالجة.
دور الفن كبير ومقدر في بناء المجتمع، بخاصة في صياغة ثقافة الأجيال من خلال المسرح الهادف، ومن خلال الإعمال (الدرامية) الجميلة التي تقف على مشاكل المجتمع، وتحاول لفت انتباه أصحاب السلطة والقرار الى معالجتها، أو لفت انظار الكتاب وأهل الأدب والثقافة لتسليط الضوء على قضايا الناس الساخنة والخطيرة، من أجل إيجاد فرص التعاون والمشاركة بوصف الواقع وابتكار الحلول والشروع بها.
عندما يجتمع العلماء والمفكرون والكتاب والصحفيون، واساتذة الجامعات، ورجال الأحزاب والعمل العام، وكبار المسؤولين في مواقع الادارة التنفيذية في ندوات مبتكرة، وموضوعات حساسة للشروع بحوارات مسؤولة يبحثون من خلالها صياغة القيم النبيلة المشتركة، التي تقرها الاديان السماوية ، ويشترك بإعلاء شأنها العقل السليم والفطرة السوية، من أجل تشكيل المرجعية القيمية العليا التي توجه السلوك المجتمعي، وترشده لتحقيق أكبر قدر من التعايش المشترك ،الذي يتسم بالاحترام والتقدير المتبادل، والاعتراف بالآخر والاعتراف بحقه باختيار معتقداته، وحريته في التعبير وإبداء الرأي، ضمن مساحات مشتركة واسعة من الفلسفة والفكر المعياري،الذي يسهم بتسهيل الحياة، وتقليل منسوب التعصب والحد من أجواء التوتر، ومواجهة خطاب التحريض والكراهية الذي أصبح خطاباً سياسياً دائماً، يلجأ اليه كثير من أدعياء السياسة! وكثير من المتطفلين على العمل العام الذين يبحثون عن نقاط الاختلاف بشكل دائم، ولا يرون إلّا خطأ الآخر، ولا يعرفون إلّا منهج التشكيك وإثارة الشبهات، وقذف الآخرين بالخيانة والعمالة، ويحتكرون الوطنية، ويوزعون شهادات حسن السلوك على كل أفراد المجتمع، ويحسبون أنفسهم أنهم يحسنون إلى الوطن.
نحن أمام مرحلة خطيرة من حياة الأمة، حيث يتاح المجال لبعض العابثين في النسيج الوطني، الذين يمعنون بإثارة نوازع الانقسام، واللعب على الغرائز، وإساءة استخدام حرية الرأي بتوجيه الإساءات، وتجريح الأشخاص والهيئات، تحت ستار مخادع ومضلل، ما يقتضي من كل أصحاب الرأي والحكمة الإسهام بوضع حد لكل هذا التدهور في عالم القيم.
( الدستور 2013-11-05 )