مستيتا... وسائر لبنان!

اذا كان " نزاع عاطفي " ادى الى وقوع مجزرة صادمة بهولها في بلدة مستيتا الهانئة والبعيدة عن مجريات نزاعات سياسية ومذهبية فما الذي يعنيه زحف التسيب الأمني المخيف على سائر مناطق لبنان وانحائه؟
ثمة حقائق تكشفها الوقائع الأمنية وتتردد على ألسنة اللبنانيين لم يعد جائزا طمسها وحجبها وتجاهلها لانها تعتمل بقوة خطيرة في الواقع المجتمعي اللبناني وتمعن في تعميم النزاعات الاهلية. نادرا ما يحصل حادث او صدام إلا ويكون افراد سوريون متورطين فيه الى جانب لبنانيين. تتدرج هذه الآفة من "المستويات الرفيعة" على سلم التفجيرات والتفخيخات المرتبطة بالنزاع السوري الى المستويات الفردية الادنى التي تتفاوت بين الجرائم والنزاعات المجتمعية المتكاثرة. والمعنى الذي لا يحتاج الى شرح هو ان لبنان لم يعد البلد الأكثر تأثرا بالازمة السورية بل تجاوز هذه النعمة الى ما يفوقها وجاهة، إذ بات ايضا ينافس الدول الاكثر تأثيرا في هذه الازمة من خلال تورط جماعات لبنانية في الصراع واستدراج انماطه الى قلب الدار اللبنانية.
هذا الذي جرى في طرابلس باستهداف عمال على الهوية العلوية بفجور وقح مثله مثل تفجيري المسجدين تماما. وحيث فشلت مؤامرة الفتنة أولاً اريد لها ان تنفس سمومها في افتعال مذهبي فاقع " على عينك يا طرابلس". ثم تطالعك في اليوم التالي حادثة خطف يتولاها سوريون في بعلبك وغالب الظن ايضا على خلفية اقحام الفتنة اياها التي اريد لها ان تنفجر بتفجيري الضاحية الجنوبية. ولم تعد المنازعات الفردية اليومية التي تعم المناطق اللبنانية والتي غالبا ما لا يكشف الكثير منها اقل خطورة مما يستدعي دق ناقوس السؤال المصيري عما يمكن لبنان تحمله وهو يحمل قسرا عبء شعبين فوق كل الموروثات الاخرى؟
قد يتراءى لبعضهم ان طرح هذه المعضلة المخيفة من هذه الزاوية ينطوي على عنصرية. ولكن العنصرية الفعلية هي في تجاهل الأثر القاتل لكل شراكة لبنانية – سورية جماعية او فردية في استباحة ما تبقى من استقرار مزعوم في لبنان بما يهدد ابناءه كما الوافدين اليه سواء بسواء. ولعلها فعلا مفارقة عجائبية ان يصمد لبنان ولا ينفجر حتى الآن وليس العكس، ربما لان الصراع الكبير بين ارادة دولية بمنع انفجاره والصراع المحتدم بين القوى الاقليمية على ارضه لم تحسم اتجاهاته بعد.
لا تجدي في طمس هذا الواقع انتهازية سياسية كاذبة من هنا او عنصرية حقيقية من هناك ما دامت القوى الشرعية اللبنانية تكابد الامرين في منع انفجار الفتنة، وما دامت الخطط والاجراءات الامنية تسابق في يومياتها تسيبا غير مسبوق وزحفا واسعا لكل ظواهر الصراع السوري من داخل سوريا الى مناطق لبنان الحدودية والابعد من الحدود.
( النهار 2013-11-06 )