الجهاد في سبيل الله..!!

ورد لفظ الجهاد في القرآن الكريم في واحد واربعين موضعا : منها سبعة وعشرون بصيغة الفعل (يا ايها النبي جاهد الكفار والمنافقين )واربعة عشر موضعا بصيغة الاسم (ان كنتم خرجتم جهادا في سبيلي) وجاء الجهاد على ثلاثة معان: الاول بمعنى الجهاد بالقول والحجة (وجاهدهم به جهادا كبيرا) والثاني الجهاد بالقوة (وتجاهدون في سبيل الله باموالكم وانفسكم) والثالث الجهاد بالعمل الصالح(ومن جاهد فانما يجاهد لنفسه).

ولفظ الجهاد في القرآن ليس مرادفا للحرب والقتل، فالقتال مجرد شعبة من شعب الجهاد، وقد وردت تفاصيل القتال والحرب في نحو سبع عشرة سورة في كتاب الله، واشتملت على قواعد الحرب واهدافها، وقد ذكر بعض العلماء ان الجهاد بمعنى القتال شرع لغيره لا لذاته، شرع لحماية مقاصد الشريعة والحفاظ عليها، وهي الدين والنفس والعقل والعرض والنفس والمال، فان تعطلت هذه المقاصد والمصالح او تنافت مع الجهاد ..توقف الجهاد ونظر في امره:يقدم ام يؤخر، ذلك ان اول علل القتال هي ان يكون في سبيل الله تعالى، وان يكون ثانيا، دفاعا عن البيضة والنفس والحرمات وعن المستضفين من المؤمنين، وهو بهذا المعنى جهاد دفاعي يندرج في منظومة القوة والدعوة ويعتمد بشكل متصل على طبيعة العلاقات الدولية القائمة بين المسلمين وغيرهم، علما بان الاصل في العلاقات بين الناس والدول والامم هو السلام(يا ايها الذين امنوا ادخلوا في السلم كافة)، اما الحرب فهي استثناء، وهي بتعبير القرآن الكريم، مكروهة)لا تمارس الا اذا اضطر اليها.: كتب عليكم القتال وهو كره لكم وعسى ان تكرهوا شيئا وهو خير لكم.

ومع ذلك فان مفهوم الجهاد ظل مفهوما اشكاليا وملتبسا في التاريخ المعاصر، واثار جدلا سياسيا وفكريا لم ينته حتى الان، كما ان تطبيقات الجهاد بصوره المعاصرة اشغلت االعقل المسلم كما وجدت لدى الاخر مجالا واسعا للطعن في الاسلام تارة ومحاربة المسلمين تارة اخرى، وربما كان وراء اساءة فهم الجهاد في سبيل الله، انه اختزل في شعبة واحدة تتعلق بـ “اعلان الحرب” على الاعداء، فيما الحقيقة ان الجهاد من اجل الحياة مقدم على الجهاد من اجل الموت. كما ان شعب الجهاد ومجالاته التي ذكر فقهاؤنا انها تزيد عن 13 شعبة وتشمل انواع العبادات الظاهرة والباطنة؛ غالبا ما تتصف بالصفة المدنية؛ ما يعني ان مصطلحات، جهاد النفس والشيطان والظلم والفساد، ودفع الذات والغير الى الخير وغيرها مما يتعلق بجهاد الدعوة والبيان والصبر والفقر والتخلف.. الخ، تندرج في معنى واحد هو الجهاد المدني فيما يبقى جهاد الاعداء بالسلاح - متى بدؤوا العدوان - شعبة من شعب الجهاد، كما يرى الدكتور القرضاوي.

ثمة - اذن - فرق بين الجهاد والقتال، وفي معظم الايات القرآنية التي ذكر فيها الجهاد ارتبط المفهوم بجهاد النفس والهوى وفساد احوال المجتمع والناس، وفي الاية الكريمة ايضا (وجاهدهم به )اي بالقرآن بمعنى جهاد الدعوة بالكلمة والبيان، وفي سورة الفتح التي نزلت بعد صلح الحديبية، سمى الله تعالى الصلح فتحا مع انه تم دون قتال، ولفقهائنا اراء واضحة وحاسمة في اعتبار الجهاد تطوعا وليس فرضا، وبانه وسيلة وليس غاية، وبانه شرع لاجل الحرابة وليس من اجل محاربة الكفر، وبان جهاد الطلب لم يعد ممكنا فيما يبقى جهاد الدفع مشروعا بشروط محددة اساسها ان الاصل في علاقة المسلمين فيما بينهم ومع غيرهم هو السلم والتعاون على الخير.

( الدستور 2013-11-08 )