الإطار القيمي الإسلامي

من أهم ما قدمه الإسلام للأمة يتعلق بموضوع إرساء منظومة القيم، التي شكلت إطاراً قيمياً، إخلاقياً، ومرجعية قيمية للأمة في كل شؤونها، وفي كل مجالات الحياة بلا استثناء، من خلال السعي بناء الإنسان وبناء المجتمع وفقاً لأرقى المعايير الإنسانية وأنبلها وأسماها.
الإطار القيمي لا يقتصر على الجانب الخلقي، وإن كانت الأخلاق تمثل أحد الجوانب المهمة والمؤثرة والفعلة في البناء الإنساني، وفي التعامل المبني بين الأفراد والجماعات والشعوب، حيث جعلت الأخلاق قمرة الدين والعلم، ويتم التعبير عنها بدرجة الكمال والإحسان، التي ينظر إليها أنها تحتل قمة الهرم في البناء السلوكي البشري، ويؤخذ ذلك من جملة النصوص التي خصت هذا الموضوع باللفظ الصريح والدلالة الواضحة، فقد روي عن الرسول صلى الله عليه وسلم قوله: «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق»، وقد مدح الله الرسول الكريم في محكم كتابه: «وإنك لعلى خلق عظيم».
لكن ما نود أن نشير إليه معنى القيمة أكثر شمولاً وأوسع مجالاً فهي «المعيار» الذي يقاس به السلوك الإنساني، سواء كان هذا السلوك في مجال الأخلاق أو في مجال الفعل والإنجاز، أو في مجال الإبداع والابتكار، أو في مجال الإدارة والسياسة، بحيث تكون القيمة هي المرجعية في الحكم على الأمور من حيث الصحة والخطأ، ومن حيث درجة الاقتراب من الحق وامتثال الطريق القويم.
وبناءً على ذلك فعالم السياسة له منظومة قيم خاصة به، يرتكز عليها في وصف القرارات السياسية ومجمل الأفعال والتصرفات المتصلة بها أكانت جيدة أو سيئة، وقد عرف ابن عقيل الحنبلي السياسة بقوله: «كل ما الناس معه أقرب الى الصلاح وأبعد عن الفساد وأن لم ينزل به وحي ولم يأت به رسول»، ويتحدد معنى الصلاح والقرب منه أو تحديد معنى الفساد والبعد عنه، من خلال مجموعة القيت التي يرجع إليها الناس في تحديد مضامين الصلاح ومضامين الفساد.
وما ينطبق على عالم السياسة ينطبق على عالم الاقتصاد، وعالم الإدارة، وكل ما عرف الناس من مجالات ومسائل، فكل له مجال منظومة قيم خاصة به، يحتكم إليها أهل هذا الفن وخبراؤه وأصحاب الاختصاص.
لكل أمة ولكل شعب إطار قيمي، تشكل لديه عبر الزمن، من أجل الرجوع اليه في عمليات التقويم، ومن أجل تشكيل مراجعة قيمة عليا تصلح أن تكون مصدراً للتشريع والتقنين، ومرجعية لتنظيم شؤون حياتها في كل مجالاتها وتفصيلاتها.
بناء الإطار بدأ منذ فجر البشرية، من خلال الأديان والأنبياء والرسل والحكماء والعلماء والفلاسفة، الذين أسهموا في إرساء منظومة القيم، التي تسهّل الحياة، وتنظم التعامل بين أفراد المجتمع ومكوناتها، وتشكل مرجعية للقضاء والحكم، والفصل في الاختلافات، من أجل رد الحقوق لأصحابها، ومن أجل ضمان استمرار الحياة من خلال العيش المشترك.
التواصل بين الشعوب، القائم على التعارف والتعاوم والتكافل، أدى الى خلق منظومة قيم عالمية مشتركة، وقد أسهمت الأديان عبر التاريخ في إرساء هذه القيم وترسيخها في عقول الناس وأفئدتهم ووجدانهم، وتوارثا الأجيال عبر مراحل التاريخ.
ما نود التأكيد عليه أن الإسلام جاء ليساعد العرب والمسلمين أولاً ومن ثم كل البشرية على إرساء منظومة القيم السليمة التي يدركها العقل الجمعي، وتتوافق مع الفطرة السليمة، ورسم لهم إطاراً قيمياً يمثل مرجعية للتحاكم بين البشر، ومنظومة القيم ثابتة لا تتغير ولا تتحول عبر الأزمنة والأمكنة، ولا تقبل بتبدل المصالح وتعارضها وتناقضها.
أما عن طريقة إرساء القيم وترسيخها فيأتي ذلك من خلال خلق أعراف بشرية ومجتمعية عامة، خلقت توافقاً بين المنقول والمعقول، وتحققت صدقيتها من خلال الإجماع على صوابيتها واستقامتها، إذ لا تجد خلافاً بين البشر حول صوابية قيم الصدق والأمانة، والعدل والكرم والتسامح، وحسن الجواز، وتحريم الكذب والخيانة والظلم والاعتداء في كل شرائع الأرض والسماء.
الجدال في الإطار القيمي للأمة، يحل بعض دلائل الخطورة، ومظاهر العبث، ولا يخلو رائحة الاختراق الممزوج بروح الهزيمة والتبعيّة أحياناً، وأحياناً أخرى يتسم بالبساطة والتسطيح المخل.
( الدستور الأردنية 2013-11-11 )