ليتهم يرتاحون ويريحون!

لعل كلام الحق الذي لا يمكن اي فريق سياسي داخلي التنكر له هو ان المواطن اللبناني الذي يكاد يتناقص حضوره في اولويات الطبقة السياسية الى حد الانعدام لا يقيم ادنى اعتبار لأطول أزمة حكومية سيعرفها سجل الازمات الحكومية القديمة والحديثة في لبنان. هذا امر مفروغ منه لان اللبنانيين فطروا على التعايش مع الازمات وليس مع الانتظام الطبيعي للدولة وتداول السلطة، وتكيفوا منذ ما قبل الحرب وبعدها وخلال كل الحقبات الما بين بين مع كل صنوف الفراغات والانتهاكات الدستورية، تماما كما بات التشبيح على الدستور والعبث به والتلاعب بالاصول سمة السياسة وليس العكس.
هي حقيقة لا نكتشف معها البارود ولا نكشف شيئا خارقا بل لتنوير اصحاب الخطاب السياسي المفوهين الذين يغدقون على الاعلام والصحافة في اليوميات الرتيبة المملة للناس الشروح والاجتهادات الباهتة في شأن الصيغ الحكومية المتهالكة والمتساقطة كأوراق تين هذه الجمهورية المتداعية. ما هم الناس مثلا اذا كانت حكومة من ٨-٨-٨ او ٩-٩-٦ فيما لم تغير اي صيغة حكومية من قبل ولن تغير اي حكومة من بعد حرفا في حروف الارتباط بالخارج؟ ما همهم اذا كانت الفترة الانتقالية الى الانتخابات الرئاسية ستأتي بحكومة تكمل تصريف الاعمال وتقطيع الوقت واستهلاكه لا اكثر ولا اقل؟ ما همهم اذا حصل التوازن بين ٨ آذار و١٤ آذار او لم يحصل، ما دام السلاح وحده الحاكم بكل املاءاته وما دام رعد التهديدات امر العمليات الذي يقيم المعادلات او يسقط البلاد في الأسوأ؟ ما همهم اذا كان الصراع الايراني - السعودي او الصفقة الاميركية - الايرانية يقرران مصير لبنان بعد كل هذا المسار الطويل من الانعتاق المزعوم من الارتباطات الخارجية فاذا بالبلاد الى انهيار متى تركت وحدها؟
ألا يثير السخرية والريبة هذا الاستقتال من جانب قوى ٨ آذار لارغام قوى ١٤ آذار على القبول بصيغة ٩-٩-٦ تحت ستار اكساب الخصم مكاسب؟ ثم ماذا تراها حققت ١٤ آذار في الدفاع المستميت عن صيغة الثلاث ثمانيات وهل كوكبت حولها ما يسمى قضية رأي عام في التمترس خلف هذا الموقف؟
لم يعد النزف اللبناني مقتصرا على الاستقرار والامن والاقتصاد والاجتماع وقضايا الناس المنسية والمهملة والفساد الناهش في كل انحاء الدولة والقطاعات والمؤسسات فحسب بل هو نزف قاتل لكل ما يسمى سياسة وادارة نزاعات وازمات. الفشل يزحف الى حدود خيالية لم يبق معها اي حيز يقتات منه فريق ويقتنص عبره ما يتراءى له انه مكسب سياسي. والدليل هذا الهبوط المريع في الخطاب السياسي الذي يجعل كل الكلام عن الازمة الحكومية اشبه بعلك الصوف العتيق. أتراهم لا يقدرون حتى على ستر العورات بالصمت علهم يرتاحون ويريحون؟
( النهار اللبنانية 2013-11-14 )