من لا يتقدم.. يتقادم
التغيير والتطوير سنة الحياة ومن لا يتقدم يتقادم , ونحن نعيش في هذا الزمن الذي أصبحت فيه المتغيرات كثيرة وكبيرة , بحيث أصبح بنو البشر عاجزين عن ملاحقة التطورات العلمية والتقنية الهائلة جدا ,التي انعكست آثارها على حياتهم الاجتماعية والاقتصادية وسلوكهم وعاداتهم وتقاليدهم, خاصة بعد ان أصبح العالم قرية صغيرة تحطمت فيه الحدود بين الدول وأصبح الغزو الثقافي المعرفي والمعلوماتي المبني على تكنولوجيا المعلومات , هو رمز هذه المرحلة من الزمن , ومن هذا المنطلق فقد كان للقطاع الخاص السبق وسرعة الاستجابة لهذه المتغيرات ومواكبة التطوير من خلال وضع الخطط والبرامج والاستراتيجيات واستغلال قوة التدريب المستمر لملئ الفجوة وسرعة اللحاق بالركب ,لأنه بالتدريب وحده يمكن إحداث التغيير السلوكي وتغيير الاتجاهات والقدرات , فالتدريب هو من مضاعفات القوة الذي يلجأ اليه لاعادة بناء شخصية العاملين في القطاعات المختلفة وخلق روح التميز والابداع والقدرة على مواجهة التقدم العلمي الهائل .
ونحن في الاردن كان ولا زال رأسمالنا الاول هو الانسان , فمواردنا محدودة جدا مقارنة مع دول الجوار كافة التي تمتلك الثروات النفطية الكبيرة والمعادن الثمينة .....الخ .
رحم الله جلالة المغفور له بإذن الله الحسين بن طلال صاحب مقولة "الانسان أغلى ما نملك" حيث كان انعكاس ذلك أن اصبح لدينا ثروة بشرية تمتلك عقولا مدبرة في مختلف المجالات ,هي أغلى واثمن من الذهب والنفط والمعادن كافة ,فالطاقة البشرية الاردنية والحمدلله تمتلك عقولا متحررة بنًاءة ولديها تفكير خلاق مبدع متجدد في كافة المحاور التعليمية والصحية والفكرية وتكنولوجيا المعلومات والاعلام ....الخ . فهذه القطاعات وغيرها جعلت من الاردن سيدا لنفسه .ولا أعتقد ان أحدا من دول الخليج كافة والمملكة العربية السعودية ينكر الدور الذي لعبه المعلمون والاطباء والقضاة والاعلاميون والعسكريون الاردنيون ..... , في تعليم وتدريب وتأهيل جيل كامل في هذه الدول, والاحصائيات الرقمية من هذه الفئات جميعا وعلى مدار السنوات الماضية تثبت ذلك .
قبل ما يزيد عن ثلاثة أعوام كنت في زيارة لدولة عمان الشقيقة الصديقة , وكان هناك نقاش مع مجموعة من المثقفين حول وضع الدول العربية من كافة النواحي ومن بينها الاردن , وكان لأحد المشاركين في الحوار مداخلة أعجبتني جدا حيث قال : أنتم في الاردن يجب أن يسموكم الابطال .فقلت له لماذا ؟ فرد بالقول لأنكم صنعتم من لا شئ كل شئ , وأصبحتم الاوائل في التعليم والصحة ,وتكنولوجيا المعلومات ,والتعليم الجامعي ,والادارة الحكومية ,والاجهزة الامنية والاعلام ....الخ . ونحن نعرف انه لا يوجد لديكم مقومات وركائز داعمه لاقتصادكم كالنفط والغاز والمعادن ,فقلت له نعم صحيح ولكن لدينا شئ أهم من ذلك وهو القيادة الهاشمية الحكيمة الواعية الواعدة من سلالة رسولنا العظيم صلوات الله وسلامه عليه التي تمتلك الرؤية الواضحة حيث كان تركيزها واستثمارها بالانسان وجعلت منه الثروة الحقيقية ,وهكذا وصلنا الى ما وصلنا اليه .
الحمدلله ان مواطننا وموظفنا الحكومي في هذا البلد المعطاء الطيب لديه قدرات كامنه خلاقة مبدعه هائله, وشهد له العالم كله في حسن إدارة الموارد والتدبير .
ولكنني لا أعرف ما هذا التراخي وما هي السلبية التي اصابت بيئة العمل الاداري في جهازنا الحكومي هذه الايام, بعد أن كان هذا الجهاز منارة عز وفخر لكل اردني ,وهذا ما جعل جلالة الملك عبدالله الثاني حفظه الله خلال شهر يؤكد مرتين على أهمية مأسسة ثقافة التميز في الجهاز الحكومي بعد ان شهدت الادارة الاردنية مؤخرا تراجعا في الاداء وترهلا غير مقبول انعكس على ضمور هدفها الاساسي وهو خدمة المواطن والتطوير المستمر لكفاءة الخدمات المقبولة المقدمة له , وكان اخر تأكيد لجلالة سيدنا في خطاب العرش اثناء افتتاح الدورة العادية لمجلس الامة حيث تحدث جلالته عن ضرورة الاستمرار في تطوير أداء الجهاز الحكومي ليكون في أعلى درجات الاحتراف والكفاءة , ووجه الحكومة الى الاسراع في تطوير الموارد البشرية للقطاع العام واعداد القيادات المتميزة وتكريس ثقافة التميز بحيث يلمس المواطن نتائج الثورة البيضاء التي دعا اليها جلالة الملك للنهوض بالقطاع العام والجهاز الحكومي .
والسؤال هل باستطاعتنا تحويل الاداء الحكومي من جهاز إداري فضفاض الى آليه مرنه وفعالة تضع نصب أعينها خدمة المواطنين وتحسين جودة خدماتها وقراراتها ؟
هل يمكننا التغلب على البيروقراطية الحكومية ونبث فيها روح القطاع الخاص ؟
نحن بانتظار خطوات عملية واقعية جريئة من الحكومة لاتخاذ الاجراءات ووضع الاستراتيجيات والخطط والبرامج التنفيذية التي تترجم توجيهات جلالة سيدنا, وليكن شعارنا دائما التميز والجدارة ولنبقى دائما متقدمين ولسنا متقادمين , أدام الله على بلدنا الاردن نعمة الامن والقيادة الهاشمية. وللحديث بقية ....