"سايكس - بيكو" جديد... إنما مُدَوْزَن؟

يحار اللبناني العادي، أو المسؤول، أو المؤرّخ، أو الكاتب من أين يبدأ بحكاية لبنان في مناسبة ذكرى الاستقلال، وفي التسمية الكثير من المبالغة.
تظهير صورة الوضع اللبناني، عربيّاً ودوليّاً وكونيّاً، التقى عند نتيجة تكاد تكون متشابهة في كل شيء. بل واحدة بكل السِّمات والعلامات الفارقة. حتى بالنسبة إلى أبسط التفاصيل والمفاصل.
والخلاصة الصريحة الواضحة بأبعادها الثلاثية وألوانها الطبيعيّة أن سبعين سنة من الاستقلال الناجز والتام، والمعترف به من الشرعيّة الدوليّة والمجتمع الدولي، حَفَلَت بما يوازي سبعين مرّة سبع مرات حروباً وثورات وأزمات لا تُحصى.
كلّها جميعها أكدت أن اللبنانيين بكل عهودهم، ورجالاتهم ومحافلهم، وشهاداتهم، ومقاماتهم، ومسؤوليهم، غير مؤهّلين لحكم أنفسهم بأنفسهم. ولو لفترة قصيرة، تعدُّ بالأيّام.
وما زالوا كما كانوا دائماً. سواء خلال زمن الانتداب أو مرحلة الاستقلال أو عقود انفراط المواثيق والنصوص والدساتير.
تماماً، كما وصفهم الرئيس الياس الهراوي في حديثه المشهور بأنهم لم يبلغوا سن الرشد. وما زالوا حتى الساعة، وحتى الغد... والذي يليه، في حاجة إلى وصيّ يمنعهم من الهجوم بعضهم على البعض وتهشيم "الوطن الرسالة".
أجل، إنهم غير مؤهّلين لإدارة شؤونهم وشجونهم وفق نصوص وقوانين ودساتير، عُدّلت وبُدّلت مرّات عدّة نزولاً عند رغبة هذه الطائفة أو تلك، واستجابة لرغبات هذه القبيلة أو هاتيك المحميّة.
حقاً، إنهم مختلفون على كل شيء. ومنقسمون حول كل شيء، حتى لو كان هذا الشيء يتصل بالموقف من المناخ...
وهم الآن على هذا النحو، وهذه الصورة: مختلفون، حتى الوعيد بحروب جديدة، حول الموقف من إيران، وسوريا، والعراق، ومصر، واليمن، وتونس، وليبيا، وحول تأليف الحكومة منذ ثمانية أشهر فيما البلد مشلول على نحو لم يسبق له مثيل.
ناس مع سوريا وإيران حتى الانخراط في الحروب بلا هوادة، وناس ضد مصر وإلى جانب "الإخوان"، وناس مع "داعش" و"النصرة" وناس مع كل البلدان وكل الناس في كل الكرة الأرضية... ما عدا لبنانهم. ما عدا هذا البلد الذي لم يُسمح له أن يصير وطناً ليخرّج مواطنين له، لا أنصار وحلفاء لهذه الدولة أو تلك، وعلى حساب لبنان.
هذا في ما يخصّ الوقائع اللبنانيّة التي يَندى لها الجبين. أما على صعيد المنطقة و"الشرق الأوسط الجديد"، فإن إجراءات الصفقة بين أميركا والروسيا متواصلة على قَدَم وساق وفَخذ، وعلى أساس صياغة "سايكس – بيكو" متطوّر تحلّ بموجبه واشنطن محلّ لندن وموسكو محلّ باريس، مثلاً...
كان يمكن القول لعناتر هذه الأيام البائسة إن الحياد وحده يحمي لبنان وجميع مزارعه ودويلاته، ولكن على مَن تقرأ مزاميرك؟
( النهار اللبنانية 2013-11-20 )