في لبنان يريدون الأمر ونقيضه

ثمة امر مقلق للبنان هنا في الخليج، اذا كان ثمة من يقلق بعد في لبنان على مصير البلد ومستقبله غير الناس العاديين الخائفين، والذين لا ناقة لهم ولا جمل. لبنان ينتظر المساعدات، ولم يأته يوما الكثير منها الا من دول الخليج. لكن الكرم الخليجي بدأ يشح لأسباب عدة منها ان مواطني هذه الدول صاروا يطالبون حكوماتهم بالانفاق الداخلي اكثر من الخارجي، خصوصا ان الفساد الذي يضرب بعض ادارات دولهم جعل بعض الخدمات في تراجع. وهذه الامور لا يشعر بها الا المواطن او المقيم.
لكن الاخطر من طلب الانفاق الداخلي، هو السؤال المتنامي عن مدى فائدة هذه التبرعات والمساعدات ونتائجها المباشرة على الدول المتبرعة ورعاياها. فالمساعدات السعودية مثلا للبنان لم تنقطع، في المقابل لا يتوانى لبنانيون عن اتهام المملكة بكل ما هو مسيء. وشعار "شكرا قطر" لم يصمد طويلا مع جمهور "حزب الله" الذي افاد لإعمار الجنوب والبقاع الغربي والضاحية الجنوبية لبيروت، لكنه قابل الامارة الصغيرة بالشتيمة عندما اختلفت وجهات النظر السياسية. ولا تقف امور الاختلاف عند هذا الحد الكلامي، بل تتجاوزه الى الإضرار بالمصالح، والى تعريض مواطني هذه الدول للخطر، اذ ارتكبت اعمال خطف عدة. من هنا يرى متابعون ان التحذير الذي منع بموجبه رعايا دول الخليج من السفر الى لبنان، لم يسبب الضرر لهؤلاء، بقدر ما أضر بالاقتصاد اللبناني.
والحبل على الجرار، فإضافة الى المنع، وإبعاد عدد من اللبنانيين من دول خليجية عدة بما للقرار من ارتدادات اقتصادية سلبية ايضا، فإن السؤال عن مصير الهبات والمساعدات كمرحلة اولى يفتح على موضوع الفساد المستشري، وربما يكون مفيدا اذا اتبع برقابة مباشرة على تنفيذ المشاريع للحد من السرقات، لكن الخطورة في السؤال السياسي، وفي البحث عن النتائج. ثمة من يقول ان اللبنانيين يريدون كل شيء، في المقابل لا يريدون ان يقدموا شيئا، وآخرون يرون ان لبنانيين يطلبون الشيء ونقيضه.
يريد اللبنانيون ان نقدم لهم الهبات لا القروض، ولا يريدون الرقابة المسبقة ولا اللاحقة. ويريدون ان نفتح لهم بلادنا وان نعاملهم مثل مواطنينا، في المقابل يخطفوننا في بلادهم ويمنعوننا من شراء المنازل والعقارات. يريدون ان يزايدوا علينا في العروبة، ويدينون بالولاء السياسي لايران. يتهمون دولاً خليجية بزعزعة امن لبنان، ثم يشارك بعضهم في مجموعات ارهابية تأتمر بايران لضرب أمن الخليج.
واذا صار سائدا هذا النمط من التفكير، وتقدمت في العمر الفئات التي عرفت لبنان ما قبل الحرب وعشقته، وبلغت المواقع المتقدمة اجيال جديدة صارت اوروبا وجهتها واصبحت تسأل عن النتائج المحققة من الهبات، واستمر لبنان الرسمي على هذا القدر من اللامبالاة والعجز، فإن الخسارة ستكون كبيرة جدا، بل من النوع الذي لا يعوض.
( النهار اللبنانية 2013-11-22 )