كيري وسرقة الثورة المصريّة

التحق وزير الخارجية الأمريكي بجوقة المزمّرين والمطبلين الذين حملوا عبء تبرير الانقلاب العسكري في مصر الذي أطاح بأول رئيس مدني منتخب في تاريخ مصر القديم والحديث، وأطاح بالتجربة الديموقراطية الوليدة، وأطاح بنتائج صناديق الاقتراع عبر خمس جولات انتخابية واستفتاءات شعبية تم إجراؤها خلال عامين، ؛أولها لاستفتاء الشعبي حول التعديل الدستوري الأول، وانتخابات مجلس الشعب، وانتخابات الرئاسة، وانتخابات مجلس الشورى، والاستفتاء الشعبي حول الدستور الجديد!!!
يأتي وزير الخارجية الأمريكي الذي أقام سياسته في المنطقة على دعم الديكتاتوريات، والأنظمة العسكرية الباطشة، تلك الأنظمة التي سرقت شعوبها، وسرقت الحكم والسلطة، وسرقت المقدرات والموارد العامة، وسرقت الكرامة والحريات، بهدف تأمين مصالحها المتمثلة بحفظ أمن الكيان الصهيوني وحماية حدوده! وتأمين مصادر النفط وتأمين وصوله اليهم، تحت إشرافهم وادارتهم،ثم يأتي الآن ليتكلم عن سرقة الثورة المصرية! مما يؤكد بما لا يدع مجالاً للشك والريبة؛ أن هؤلاء الإنقلابيين ما كانوا ليجرأوا على هذه الفعلة لولا الضوء الأخضر المبهر من الادارة الامريكية وخارجيتها، وما كان لهم أن يقدموا بهذه الجرأة على إجهاض ثورة شعب لولا ذلك الامر الصادر من التحالف الدولي الذي أدارته أمريكا وإسرائيل، وبتمويل عربي، ومشاركة فاعلة من كل المتضررين والمرعوبين العرب من صحوة الشعوب العربية ويقظتها وثورتها الجماهرية على الاستبداد والفساد.
وزير الخارجية «كيري» يمثل دولة قامت على جماجم (55) مليون هندي أحمر من سكان القارة الأمريكية الأصليين، ويمثل دولة سرقت دماءهم وارضهم وتاريخهم وحضارتهم، وسرقت دماء المستضعفين في الكرة الأرضية! وبنت حضارتها المتغطرسة على سرقة مقدرات شعوب العالم المنكوب، وما زالت تبني استراتيجيتها على حرمانهم من الديمقراطية والحرية والإرادة المطلقة! لأنها ترى في وعي الشعوب ويقظتها عدواً لمصالحها ومصالح ربيبتها (اسرائيل)، ثم يأتي ويتفضل ليعطينا دروساً حول سرقة الثورات!!
كل الذين أسهموا في نشر مفهوم سرقة الإسلاميين للثورة المصرية، هم شركاء للسفير الأمريكي في الانقلاب العسكري، وشركاء في إجهاض ثورة العرب ضد الاستبداد والفساد، وشركاء في جريمة سرقة الحلم العربي في التحرر، ويريدون جميعاً أن يغطوا على جريمتهم التاريخيّة من خلال وصف الانتخابات المصرية النزيهة للمرة الاولى في تاريخ العرب والمنطقة بأنها «سرقة»!!!
كل هذه القوى التي تصمت صمت أصحاب القبور إزاء ما يجري من ظلم واعتقال وقتل وتغذيت بالجملة من قبل زمرة عسكرية ، رجعت بمصر إلى عصور القهر والكبت ومعسكرات الاعتقال المظلمة، دون نكير أو شجب، بل نجد منهم المباركة والتأييد، هم السر الحقيقي الكامن وراء التخلف العربي منذ ما يزيد على نصف قرن، وهم يتحملون مسؤولية الهزائم العربية المتكررة على مدار نصف القرن الماضي،ويتحملون مسؤولية التيه العربي في صحراء الاستبداد والديكتاتورية العسكرية المتخلفة.
تصريح كيري كشف المستور، وأماط اللثام عن الذين يتشدقون بعداء الامبريالية الأمريكية، وهم في حقيقتهم أدوات تنفذ المخطط الأمريكي الخفي، وهؤلاء يشبهون الذين تحالفوا مع الأمريكان في غزو أفغانستان، وتحالفوا معها في غزو العراق، وهم يرفعون شعارات العداء لأمريكا والموت لأمريكا، والجموع المغفلة تقع في المصيدة في كل مرة وتلدغ من الجحر الواحد عشرات المرات!!!
( الدستور الأردنية 2013-11-24 )