إسرائيل والغاز ونحن

غولدا مئير رئيسة وزراء اسرائيل عام 1973 عندما هاجمت القوات المصرية القوات الاسرائيلية على الضفة الشرقية لقناة السويس، والقوات السورية القوات الإسرائيلية في هضبة الجولان، كانت تندب حظ اسرائيل لان البلد لا يحتوي على موارد للطاقة.
بدءاً من عام 2003 تحققت اكتشافات لحقول غاز صغيرة نسبياً. ثم اكتشف حقل تامار عام 2009 وقدر احتياط هذا الحقل من الغاز بتسعة تريليون قدم مكعب. وبعد ذلك اكتشف حقل ليفياتان العملاق عام 2011 واحتياط هذا الحقل قدّر بـ19 تريليون قدم مكعب وكان اكتشافه الأكبر على الصعيد العالمي خلال 10 سنين.
وكانت اسرائيل قد اختارت منذ زمن وقبل اكتشافها حقول الغاز الكبيرة، التوجه نحو اعتماد الغاز في استعمال الطاقة وخصوصاً في نطاق انتاج الكهرباء، وكانت عقدت اتفاقات لاستيراد الغاز الطبيعي من مصر بواسطة انابيب تمتد من سيناء.
لكن الغاز المصري انقطع، او على الاقل تقطع، بعد اطاحة الرئيس حسني مبارك، ومن اسباب التشكيك في تصرفات حلفاء مبارك انجاز رجل اعمال قريب منه عقد تزويد اسرائيل كميات وافرة من الغاز باسعار تشجيعية.
انقطاع الغاز المصري فرض على اسرائيل استيراد كميات كبيرة من المازوت، لان محطات انتاج الكهرباء على الغاز يمكن تشغيلها على المازوت، علماً بان كلفة المازوت أعلى من كلفة الغاز كلقيم، كما ان تكاليف صيانة معامل الكهرباء التي تعمل على المازوت أعلى بكثير من تكاليف صيانة المعامل نفسها اذا استخدمت الغاز، ناهيك بنسب تلوث الجو التي هي الأدنى في حالة الغاز.
وكان الاسرائيليون حتى اوائل القرن الحادي والعشرين يعتمدون على الفحم الحجري لتغطية نسبة 80 في المئة من انتاج الكهرباء والرصيد الانتاجي أي نسبة 20 في المئة كانت تتوافر من المشتقات النفطية.
خلال عشر سنين حققت اسرائيل انتقالاً سريعاً من استعمال الفحم الحجري والمشتقات النفطية لانتاج الكهرباء الى استعمال الغاز، وقد بدأ اختراق الغاز للسوق منذ عام 2004، وتوسع استعمال الغاز في انتاج الكهرباء الى نسبة 40 في المئة عام 2010 وخلال 2013 صارت النسبة 60 في المئة، ويقدر مع بدء تسليمات الغاز من حقل تامار ان ترتفع الى 100 في المئة قبل 2017. عندئذٍ ستتوافر لاسرائيل طاقة لتصدير الغاز، علماً بان حزب الخضر الذي يسعى الى المحافظة على البيئة أقام دعوى تطالب بمنع الحكومة من تشجيع تصدير الغاز وحصر الاستعمال بالحاجات الداخلية، لكن محكمة العدل العليا ردّت هذا الطلب ويقدر ان تبدأ اسرائيل الاستفادة من تصدير الغاز السائل في 2017-2018.
السؤال الذي يطرح نفسه، كيف استطاعت اسرائيل زيادة الاعتماد على استعمال الغاز في انتاج الطاقة مع انقطاع مستوردات الغاز المصري، وعدم توافر كميات ملحوظة من الاكتشافات المحلية حتى تاريخه؟
الجواب كان متوافراً لحكومة يحاسبها مواطنوها. فالاسرائيليون سارعوا الى استقدام محطات عائمة لاستقبال شحنات الغاز السائل، ومصادر الغاز مؤمنة من نيجيريا ونروج وقطر الخ، وهذه المحطات العائمة تحتوي على طاقات تخزين موفورة تسمح لها بتأمين الغاز حتى في حال تأخر الناقلات عن الوصول في مواعيدها.
استوردت اسرائيل الغاز السائل الى المحطات العائمة واستطاعت استخدام الغاز بكثافة في انتاج الكهرباء ولم تتعرض مؤسساتها لانقطاع الكهرباء كما حصل في سوريا والاردن عندما توقف ضخ الغاز المصري الى البلدين بسبب ظروف امنية وسياسية طرأت بعد اطاحة الرئيس مبارك.
في لبنان، ندفع تكاليف باهظة لمحطات انتاج كهربائية عائمة وتكاليف انتاج غاية في الارتفاع عند استعمال المازوت بدل الغاز في مصانع انتاج الكهرباء في البداوي والزهراني. وقد صار لزاماً علينا ترميم هذه المصانع ولم يمضِ على انجازها سوى 10 سنين بسبب اهتراء معدات الانتاج السريع نتيجة استخدام المازوت بدل الغاز.
أما الاسرائيليون، فقد وضعوا خطة قومية لاستهلاك الطاقة وانتاجها وهي تهدف الى جعل الغاز مصدر الطاقة لنسبة 70 في المئة من حاجاتهم، سواء لانتاج الكهرباء، التدفئة في المنازل، الطبخ، كما الانتقال بالسيارات والباصات التي ستصبح غالبيتها مسيرة على الغاز السائل. اضافة الى كل ذلك، فرضت اسرائيل كما قبرص استعمال الواح الطاقة الشمسية لتأمين جزء من حاجات تسخين المياه والتدفئة المنزلية منذ عشرات السنين.
نريد ان نتصدى لإسرائيل، على صعيد الانجاز، فلنسارع الى استقدام محطتين عائمتين لاستيراد الغاز السائل وتحويله الى غاز يستعمل في محطتي البداوي والزهراني، فنحقق نسبة تشغيل للمصنعين تقرب من طاقتهما ويمكننا الاستغناء حينئذٍ عن المحطتين المستأجرتين لانتاج الكهرباء ونحن لا نعلم شيئاً عن فاعلية تشغيل المحطة الثانية، والاولى احتاجت الى بضعة أسابيع لتبدأ الانتاج.
إن خطوة استقدام المحطتين العائمتين لاستقبال شحنات الغاز المسيل وتحويلها الى غاز لقيم لمصنعي البداوي والزهراني تساهم في خفض عجز كهرباء لبنان، وتمهّد لحسن استعمال الغاز الذي يمكن انتاجه ربما بعد 7 سنوات من تاريخه اذا استطعنا بطريقة او باخرى انجاز عقود البحث والتنقيب عن النفط والغاز، وربما استطعنا ايضاً اقرار توفير مخصصات انشاء خط الغاز من الشمال الى الجنوب. وهذا المشروع في حال انجازه، يساهم في الحدّ من تكاليف انتاج الكهرباء في المحطتين القائمتين، كما في مصانع الاسمنت والاسمدة القائمة على الشاطىء. عندها نكون قد بدأنا بالفعل معالجة موضوع الطاقة واستعمالاتها ومصادرها وتكاليفها.
الى متى انتظار الحلول، أيها السادة، وزراء ونواباً وقادة رأي ورؤساء كتل نيابية؟ هل ننتظر الى ان نشارف الغرق؟ ولماذا؟
( النهار اللبنانية 2013-11-25 )