في العنف... لا خيمة فوق أحد

لا تحتاج صيدا ولا أي مدينة لبنانية أخرى الى سجل عدلي نظيف، ولا تحتاج طائفة لبنانية، أو منطقة، الى تبييض صفحتها. فالكل سواسية في العمل الوطني، وفي تقديم الشهداء، وربما ايضا في العمالة! ولا عجب في ذلك، لأن العمالة ليست فقط لاسرائيل وأميركا، فهي أيضا لسوريا وايران وغيرهما من الدول. كل خدمة لدولة اخرى على حساب الإرادة الوطنية هي عمالة. ولدى كل المدن والقرى والطوائف والمذاهب عملاء. بل ان ثمة ما هو أكثر فداحة، وأسوأ في العمالة، هو تغيير وجه لبنان المتعدد، المتنوع، ثقافياً وحضارياً وطائفياً ومذهبياً. وهذا أمر يُمارَس كل يوم على مجموعات لبنانية في غير منطقة، إذ "تُجبر" مجموعات شريكة في الوطن على بيع أرضها، وتصادر لها ممتلكات بفعل الأمر الواقع، أو بحجج أمنية واهية لا تقيم وزناً للقانون وللملكية الخاصة. وثمة ما هو اخطر في فرض نمط عيش مختلف، وهو شكل من اشكال التهجير الداخلي، وثمة عدم دفع مستحقات كاملة لعودة مهجرين في أكثر من منطقة، وكلها أمور تدخل في جدول العمالة، وخدمة أعداء لبنان.
لا حاجة اليوم الى فتح هذا الملف الشائك، لأن ثمة ما هو أهم بكثير، وهو تحصين الداخل اللبناني، أمام موجة العنف التي تجتاح المنطقة كلها، ومن يضمن انها لن تزداد اتساعا مع اعتراض اسرائيل على الاتفاق النووي مع ايران؟ فغالبا ما لجأت اسرائيل الى الحرب لتغيير معادلات قائمة. بهذا ربما نضيف الى قائمة العنف حربا جديدة لا نتحمل تبعاتها، اذ ليس من دول صديقة تعيد اعمار لبنان كما حصل عام 2006، وما قبله.
لبنان اليوم يواجه خطر العنف الدموي، وثمة خطورة في اعتماد العمليات الانتحارية، وباجساد لبنانيين تحديدا، مما يعني أننا دخلنا مرحلة جديدة من الاقتتال. هذا الاقتتال السني - الشيعي، والذي يتغطى بالسياسة، والذي لا مفر لاحد من نتائجه، اذ ان البلد صغير والتفاعل بين ابنائه كبير على رغم نكران البعض الأمر، والتفاعل قائم في الحياة اليومية للناس في المصالح المشتركة، وثمة تداخل سكاني على رغم الفرز القائم.
الخلاصة انه لا مفر لأحد من نتائج العمليات الارهابية، فالخاسر هو الشعب اللبناني الذي لن يخسر ابناء منه وأخوة وأصدقاء فحسب، بل ان المضي الى الهاوية وفق ما يمضي حالياً من دون ضابط، سيخسره الوطن برمته، ليصير شعباً تائهاً، لاجئاً في بقاع الارض.
قد تكون الفرصة لا تزال متاحة للإنقاذ، فهل النية والقدرة متوافرتان؟
( النهار اللبنانية 2013-11-26 )