همسة صريحة

الهدوء النسبي الذي آلت إليه الحالة الأردنية مؤخراً، على صعيد الشارع، وعلى صعيد الحراك الوطني، وعلى صعيد القوى السياسية المختلفة، لا يعبر عن حالة رضى من مجمل الشعب الأردني من جهة، ولا يعبر عن انتصار الأطراف التي وقفت في وجه الحراك الشعبي وإفشال مطالبه من الجهة الأخرى، وإنما يمكن القول أن العوامل الخارجية كان لها الأثر الأكبر بكل تأكيد، مع عدم جواز إهمال بعض العوامل الداخلية التي كان لها بعض الأثر.
العوامل الخارجية تتمثل بما حدث ويحدث في الدول العربية الشقيقة وعلى رأسها سوريا، حيث أن مسلسل الأحداث على الساحة السورية أخذت مسارات معقدة، وأدت إلى مآلات غير مُرضية وغير صحيّة، إذ أن التدخلات الخارجية التي تتم بشكل فظ ومباشر أفقد الشعب السوري قدرته على حسم خياراته، وأصبح رهينة لصراع القوى الخارجية والإقليمية التي وجدت خطوط التماس الرهيب على الأرض السورية، وأصبحت المعارك الدائرة تمثل حرباً بالوكالة، ووقع ضحيتها الشعب السوري والدولة السورية برمتها.
وما جرى في مصر أيضاً كان له أثر بالغ على الساحة الأردنية من انقلاب عسكري على منجزات الثورة المصرية من قبل قوى مصرية داخلية ومشاركة قوى إقليمية ودولية كبيرة فاعلة ومؤثرة، ما زالت قادرة على الإمساك بخيوط اللعبة السياسية على مستوى مصر والإقليم، حيث ما زال الشعب المصري وكل الشعوب العربية لم تصل بعد إلى حد التمكين المجتمعي الذي يمكن الشعوب من امتلاك مصيرها والحفاظ على خياراتها الديمقراطية.
ما نود أن نقوله بصراحة أن الساحة الأردنية تأثرت تأثراً بالغاً وعميقاً بهذه المجريات على الساحة السورية والمصرية، بالإضافة إلى تقويم نتائج الثورات الشعبية في كل من ليبيا واليمن وتونس كذلك، حيث أنها ما زالت عاجزة عن تحقيق الأمن والاستقرار بحدوده الدنيا بعد الإطاحة بالأنظمة السابقة، مما جعل الشعب الأردني يشعر بالحذر والترقب والخوف من حالة الفوضى وعدم الاستقرار، وقلل من الاندفاع والتوغل خلف شعارات التغيير.
العوامل الداخلية ربما تتلخص بثلاثة أمور، الأمر الأول جاء نتيجة اتباع سياسة الأمن الناعم الذي قام على استيعاب نشاط الشارع وقوى الحراك الوطني، باستثناء بعض الحالات العنيفة القليلة التي كانت على دوار الداخلية وفي ساحة النخيل، والتي لم تسفر عن قتلى وضحايا، وإنما أسفرت عن بعض الإصابات غير الخطيرة، مما قلل من حالة ردة الفعل الشعبي العنيف، والأمر الثاني يتمثل بتعقل القوى السياسية الأردنية على الصعيد الوطني وعلى صعيد المعارضة، حيث أنها رفعت شعار إصلاح النظام، ولم تطرح شعارات الإسقاط التي رفعت في الدول العربية الأخرى، كما أن القوى السياسية الأردنية أبدت قسطاً معقولاً من التفهم والالتزام بالمنهج السلمي البعيد عن العنف، وهي لا تمتلك رصيداً عنفياً ولا تاريخاً متطرفاً.
وربما الأمر الثالث يتلخص بأن القوى السياسية الأردنية لا تمتلك تجربة في السلطة ولا إدارة الحكم، ولا تمتلك برنامجاً متكاملاً مقنعاً على مستوى الدولة، وإنما هي بعض التجارب الفردية المتناثرة التي تشكل نموذجاً مقنعاً للشعب الأردني.
بقي أن نقول في نهاية هذا الاستعراض، أن الواقع الأردني الذي يمتاز بالهدوء النسبي، لا يعبر عن حالة صحيّة، وما زال يحمل بذور القلق والتوتر، التي تصلح للتفجير في أي لحظة، لا يستطيع أحد التنبؤ بتحديدها على وجه الدقة، وهناك بعض الظواهر العنفية في المجتمع التي ينبغي أن تثير قلقاً لدى أصحاب القرار أولاً، ولدى جميع الأطراف الوطنية، حتى لو لم تكن تحمل أشكالاً سياسية، مما يقتضي من كل الأطراف أن تستثمر في هذه الحالة الهادئة لخوض حوار وطني شامل ومسؤول، من أجل التخلص من كل عوامل التوتر وبذور العنف عن طريق رسم خارطة إصلاح سياسي واقتصادي وتعليمي شامل وحقيقي، تنخرط فيه كل مكونات المجتمع وكل قواه السياسية.
( الدستور الأردنية 2013-11-28 )