بلد عصفورية!

في الايام الاخيرة، ثمة أحداث وحوادث، بعضها مفتعل، يؤكد أننا في بلد الجنون والمجون في برج بابل اللبناني، ويؤكد ايضا ان الضياع يعمّ كل الانحاء، في انتظار ما ستؤول اليه أمور سوريا والمنطقة، وكيف يمكن ان يجسَّد اتفاق ايران مع دول الغرب.
في الجامعة اليسوعية، حادث يشبه الحال العامة في البلاد، إستحضار للرئيس بشير الجميّل وقاتله حبيب الشرتوني، يستنفر الطلاب بلا هدف، وقد يكون بلا سبب. صورة الشرتوني قاتلة، لكن الجامعة ايضاً ليست لبشير الجميّل، بل هي لرهبانية عالمية وعميقة الجذور في تاريخ لبنان. ولا يجوز لمسؤول ان يقول "فشرتوا" لمن لا يريدها "جامعة بشير" وفق قوله، كأنه يملك فيها اسهماً ويحدد وجهتها وسياستها من دون اي احترام لارادة رئاستها.
في المقابل، رغبة عارمة في تحدي القوانين والاعراف، وكسر التقليد، لا لبلوغ الافضل، بل من اجل هضم حقوق الآخرين ودائماً تحت عنوان "التعويض عن الحرمان" المزمن، عبر استقواء بالسلاح صار معتمداً في كل الاماكن.
وفي جديد قناة "الجديد" عصفورية ايضاً. مبالغة في التعامل مع الحدث عبر سيارة فان وصورة ومكبر للصوت، تصلح لنشاط اعتراضي، أكثر منها لإعلام له أصوله المهنية. في المقابل عنف مجنون لا يليق بعناصر رسميين كأنهم يؤكدون أن زمن الميليشيات لم يمضِ، وان عقلية الميليشيا انتقلت الى المؤسسات الحكومية. وفي ملف تفجير السفارة الايرانية، عملية انتحارية نفّذها لبناني وفلسطيني، ومن يراقب تبادل الاحاديث ما بين الانتحاري وأصدقائه عبر مواقع التواصل الاجتماعي، حول مَن يسبق لإعداد حفل استقبال في الجنة، يدرك تماماً اننا صرنا في عنق الزجاجة، اذ تمكنت عقلية الانتحار من شبابنا، بعدما كانت سابقاً لدى مقاومين لاسرائيل، وهي مشروعة هناك، لتبلغ حد قتل شركاء في الوطن، والتسابق على "صور العين".
في الملف الصحي، إشتباه في حالات قتل في أحد أعرق مستشفيات البلد، وحوادث موت مشبوهة في مراكز اخرى يعزو اداريوها السبب الى تكاثر الفيروسات في غرف الجراحة البالغة القدم والقليلة التعقيم. في اوساط رجال الدين، ارتكابات وتجاوزات لم تبلغ هذا الحد يوماً. فهذا متهم وانجاله بالسرقات وذاك بتبذير الاموال، وثالث بالاعتداءات الجنسية، ورابع بالاتجار بالسلاح... ويدافعون عن انفسهم باتهام الاعلام بالكذب.
في السجون، حال من الفلتان، هواتف خليوية واجهزة لاسلكية وتلفزيونات فضائية، وسلاح أبيض أو "ملوّن" ووساطات تبلغ حد الامساك بإدارة العنابر...
في الإعمار، قرار وزاري وضع العمران في رقابة بلديات عاجزة، فارتفع 4000 بناء في احدى المناطق، قبل ان يصدر تحذير من رئيس الحكومة، انتهت مفاعليه قبل ان يجف حبره!
حال من الجنون تعم البلاد، حال من الفلتان تشبه زمن العام 1975، لكن الأكيد انها لن تجرنا الى حرب جديدة، لأن اصحاب القرار في الخارج لا يريدون ذلك.
( النهار اللندنية 2013-11-29 )