المالكي لن يترأس حكومة ثالثة!

الموالون لرئيس الحكومة العراقي نوري المالكي يميلون إلى الاقتناع بأنه سيكون رئيساً مرة ثالثة لحكومة بلاده بعد الانتخابات النيابية السنة المقبلة. ويستندون في ميلهم إلى جملة أسباب أهمها حصوله على رضى الجهتين الدولية والاقليمية الأكثر تأثيراً في العراق ونفوذاً منذ إطاحة نظام الراحل صدام حسين، وهما أميركا والجمهورية الإسلامية الإيرانية. والإثنتان كانتا كما هو معروف على عداء دائم منذ عام 1979 تُرجم صراعاً مفتوحاً وحربين بالواسطة في الشرق الأوسط، الأولى أعقبت غزو صدام لإيران عام 1980، والثانية تدور بين إيران وحلفاء أميركا في العالم العربي وتهدف إلى إقامة محور معادٍ للثانية يبدأ بإيران ويمر بالعراق وسوريا ولبنان وربما ينتهي بـ"فلسطين". لكن عداءهما وحروبهما لم تمنعاهما من الاتفاق على تأييد المالكي، وخصوصاً بعدما قدم نفسه لهما شريكاً صادقاً، وبعدما وصلت واشنطن إلى اقتناع بأهمية دور إيران في العراق، وطهران إلى اقتناع بضرورة عدم الوصول مع أميركا إلى مواجهة عسكرية حاسمة. إلى ذلك يستند الموالون للمالكي أنفسهم إلى انتمائه لحزب "الدعوة" الشيعي الإسلامي الأقدم على الساحة الشيعية العراقية بل العربية، الذي استعاد وهجه بعد زوال النظام السابق، وبعد توليه الحكم أكثر من مرة منذ ذلك الإنجاز. كما يستندون إلى أمر ثالث هو إقرار مجلس النواب العراقي قانوناً يجيز ولاية حكومية ثالثة للرئيس المالكي بعدما كان ذلك محظراً قانوناً في السابق.
هل ينطق الموالون للمالكي عن هوى أو عن اقتناع جدي ومعطيات ثابتة؟
الهوى والمصلحة طاغيان عند هؤلاء، تجيب شخصيات عراقية جدية ومطلعة وقريبة في الوقت نفسه من "الجهات" الأكثر صدقية ورصانة واحتراماً في المجتمع العراقي ولاسيما الشيعي. فالقانون الذي يستندون عليه لتأكيد بقاء المالكي رئيس حكومة مرة ثالثة مُرِّر في ليل. وهو غير دستوري. وقد طعنت فيه كتلة النائب والرئيس الأسبق للحكومة العراقية أياد علاوي. وتتعامل معه غالبية الجهات السياسية والنيابية على أنه خطيئة لا بد من العودة عنها. و"حزب الدعوة" الذي يؤكدون استعادته الدور الريادي السابق، لم يعد موجوداً جماهيرياً، وليس الآن حالاً شعبية واسعة. صحيح، تستدرك الشخصيات نفسها، أن أعضاء فيه تسلَّموا رئاسة الحكومة خلال نحو ثماني سنوات. وصحيح أنهم سعوا وعملوا على "دعونة" الدولة العراقية تماماً مثلما سعى الرئيس المصري المعزول محمد مرسي الى "أخونة" دولته ولكن خلال سنة واحدة من حكمه. لكن ذلك كله لم يساعده في العودة حالاً جماهيرية وشعبية. أما علاقاته الحارة مع أميركا وإيران الإسلامية فانها أحد أبرز أسباب النقمة على المالكي ورفض عودته إلى رئاسة الحكومة بعد الانتخابات المقبلة. إذ توقع منه مواطنوه أن يوظف هذه العلاقة لإعادة بناء العراق ولاستتباب الأمن فيه، وللنهوض باقتصاده، وللقضاء على الفساد المستشري في كل إداراته والدوائر. لكنه لم يفعل شيئاً من ذلك، بل ربما يكون ساهم بفرديَّته وحبه للسلطة في إغراق إدارات الدولة وأجهزتها المدنية والعسكرية في الفوضى والمحسوبية. والتبريرات التي يقدمها للناس من أجل إقناعها بأنه بذل ولا يزال يبذل جهوداً إصلاحية جبارة لا يقبضها إلا الموالون له. طبعاً تبقى المرجعية الدينية الشيعية في النجف، ومن أهم البارزين فيها آية الله السيد علي السيستاني. ورغم أنها متحفظة كثيراً في الخوض علانية في السياسة ومآسي العراق فان الشخصيات السياسية نفسها تعتقد أنها لا تبدو متحمسة لتجديد رئاسة المالكي للحكومة مرة ثالثة. وفي الوقت المناسب قد توحي بذلك إلى المعنيين وإن من دون أن تعلنه رسمياً.
هل اقتناعات الشخصيات السياسية الجدية العراقية في محلها؟
يعتقد موضوعيون عراقيون، والموضوعية دائماً نسبية، أن حظوظ التجديد للمالكي غير كبيرة. لكنهم يلفتون إلى ان حصوله على كتلة نيابية كبيرة في الانتخابات ربما يعيد إلى الحظوظ نسبتها المرتفعة. إلا أن الشخصيات الجدية تعتقد، واستناداً الى متابعتها اليومية للأرض، انه لن يحصل في أحسن الأحوال إلا على كتلة من 60 نائباً حداً أقصى. ويتضمن الرقم حلفاء له. وتعتقد أيضاً ان المجلس الإسلامي بزعامة السيد عمّار الحكيم الذي خسر نيابياً في الانتخابات الماضية سيُبلي حسناً في المقبلة. وتعتقد ثالثاً ان السيد مقتدى الصدر فقد حظوة إيران التي راحت لـ"عصائب أهل الحق" المشابهين لـ"حزب الله" في لبنان. والاثنان على ما يبدو غير مرتاحين للمالكي.
طبعاً ليس ذلك نتيجة جازمة. ولذلك لا بد من الانتظار في بلاد المفاجآت.
( النهار اللبنانية 2013-11-29 )