في ذكرى استشهاد د.عبدالله عزام

هناك جوانب عظيمة ظاهرة وعديدة في شخصية الشهيد عبدالله عزام يستطيع المرء أن يتناولها ويتحدث عنها بإسهاب، ولكن هناك بعض الجوانب الدقيقة التي لا يعرفها إلا عدد قليل من بعض تلاميذه الذين عرفوه عن قرب وعن طريق ملازمة ومعايشة مستمرة وطويلة.
لقد قدمت إلى الجامعة الأردنية والتحقت بكلية العلوم عام 1975/1976م، وقد سبقني إلى الجامعة شقيقي الأكبر (حمزة غرابية) الذي التحق بالكلية نفسها عام (73)، وقد تعرف إلى الشيخ عبدالله عزام وكان يحدثني عنه كثيراً، وكان الشيخ هو المسؤول التربوي عن كلية العلوم، وكان (حمزة) أحد أفراد الأسرة التنظيمية عنده، مما هيأ لي فرصة اللقاء المبكر معه والتعرف إليه، حيث كان يتمتع بشخصية آسرة ومحببة، يجمع بين الجدية والتواضع، والتدين العميق الممزوج ببساطة التعامل ورقة الخلق والذكاء الحاد مع الحياء الوافر، وتيسر لي أن التحقت معه بالأسرة التي كنت أنتظرها، وبقيت معه حتى غادر الأردن.
الشيخ عبدالله عزام كان ميالاً إلى منهج التشدد السياسي حيث كان شديد التأثر بفكر سيد قطب، ولكن ما أود أن أشير إليه بوضوح أن تشدّده السياسي لم يكن مصحوباً بالحقد على المجتمع، أو على من يخالفه الرأي أو المنهج، بل كان الشيخ رحمه الله على علاقة وطيدة ومتينة مع رموز الفريق المعتدل مثل الدكتور إسحق الفرحان، والأستاذ يوسف العظم رحمه الله، و الدكتور عدنان الجلجولي كذلك، حيث كان يحدثنا عنهم ويذكرهم بخير ويثني عليهم ثناء عاطراً، ولم أكن أعرفهم قبل ذلك، وكان يشير إلى جهودهم السابقة وبذلهم في سبيل الدعوة، وخاصة في إشرافهم على المشروع الجهادي والعمل الفدائي في الفترة ما بين عام (68-70) بما يسمى بقواعد الشيوخ، ومن المفارقة وهذا للتاريخ، أنه لم يكن على علاقة جيدة مع من يوصفون بخط التشدد في الجماعة ولا مع رموزه، بل كان يشكو منهم مرّ الشكوى، ولقد كان من أهم عوامل خروجه من الأردن هذه العلاقة غير الصحية،التي سببت ضجرا وضيقا نفسيا كبيرا، بعد أن وصلوا الى قيادة الجماعة واستأثروا بها، وحاولوا جاهدين إبعاده عن القيادة عن طريق ما كان يعرف «بالكولسة التنظيميّة»، ومحاولة إيجاد شرخ بينه وبين الشباب.
والمفارقة التاريخية الأخرى التي أطلعنا عليها الشيخ أن هؤلاء المتشددين، وقفوا ضد مشروع المشاركة في العمل الجهادي الفدائي السابق، وذلك بحجة أنه جهاد تحت راية كافرة، إشارة الى المشاركة في العمل الفدائي تحت مظلة ( فتح) في ذلك الوقت !!
أما المعلومة التاريخية الأخرى أن الشيخ عبدالله عزام كان يحتل موقع نائب المراقب العام تحت مسمّى وكيل الجماعة في أواخر السبعينات، وقد ترأس جلسة المكتب التنفيذي عندما غاب المراقب العام في سفر الى الخارج، واتخذ في تلك الجلسة قراراً تاريخياً بعودة الدكتور إسحق الفرحان الى صفوف الجماعة، حيث قد تم تجميده على إثر مشاركته في حكومة وصفي التل، حيث حمل حقيبتي التربية والأوقاف معا، وقد أثارت اعادته حفيظة رموز التشدد حينذاك وحملوا على الشيخ بشدة!!
الشيخ عبدالله عزام كان يحمل منهجاً سياسياً متشدداً، ولكنه في الوقت نفسه يحمل منهجاً دعوياً سمحا ،ومنهجاً أخوياً رقيقاً، فقد كان كبير القلب عظيم الخلق، شديد النفرة من منهج اغتيال الشخصية، كما كان ميالاً نحو استيعاب كل المخالفين تحت مظلة الدعوة، التي يجب أن تتسع لكل من يريد العمل لهذا الدين، وهناك فسحة ومتسع للآراء المخالفة على منهج الإمام المؤسس حسن البنا.
كان يحدثنا عن أدب الشيوخ في سوريا من أصحاب الحلقات الصوفية، وكان يقول كلمته المشهورة دائماً: «الإسلام أدب يا جماعة» وكان يجمع بين سلفية العقيدة، وصوفية الروح، ومنهجية العمل الجهادي، وكان يبغض الخلاف والمناكفة، ويحارب بلا هوادة منهج (الكولسة) داخل التنظيم، الذي أدمن عليه بعضهم وأضرّ بالجماعة وألحق بها أفدح الخسائر التي لا تقدر بثمن!!.
( الدستور الأردنية 2013-12-01 )