حبيبتي كاترين
يستحق السيد محمد جواد ظريف وزير خارجية إيران لقب (الوزير المبتسم على الدوام) حتى لكأني تخيلت لوهلة إن الرجل على علاقة حميمة بالسيدة البريطانية كاترين آشتون وزيرة خارجية الإتحاد الأوربي ، ورئيسة فريق المفاوضين الى جانب الوفد الإيراني في رحلة شاقة لعدة أشهر أفضت الى إتفاق يمثل عنوان التحول الكبير في الشرق الأوسط وإنتكاسة للمحور الإسرائيلي المنزعج والراغب بتوجيه ضربات عسكرية لمفاعلات طهران النووية ،مثلما هو عنوان للخروج الأمريكي الهادئ من فوضى المنطقة العربية والشرق المزدحم بالمشاكل، ومايعقبه من خروج آمن من جحيم أفغانستان برعاية إيرانية ورضا من إمبراطورية فارس ، وبالتأكيد فهو إتفاق سيسبب جفوة بين مقل قادة الخليج ورغبتهم بنوم عميق بعد سهاد طويل سببه التزاحم بين دول الخليج وإيران على مدى عقود مرت طويلة وقاسية .
إبتسامة السيد ظريف للسيدة آشتون كان صاحبها غاية في المهارة ، فالرجل مكلف من المرشد الأعلى بإنتزاع هزيمة بطعم الإنتصار من المفاوضين الغربيين ،والتنكيل بالسيد رولان فابيوس وزير خارجية فرنسا التي عطلت الإتفاق في جولة المفاوضات التي سبقت الجولة الأخيرة الناجحة ، والرجل مكلف بدفع وزير خارجية أميركا لينحني بعض الشئ فهو طويل للغاية ويمكن أن يقدم المزيد من التنازلات ( صبر الأمريكيين وصبر الإيرانيين) شتان بينهما .
كان ظريف مبتسما للجميع ،(للعابسين والضاحكين والساكتين والخائفين والمترددين) ،رجل خبير محنك ساعد في ترتيب المفاوضات من أجل أفغانستان مابعد طالبان ،وكان مفاوضا بارعا في قضايا الشرق الأوسط وآسيا والصراع في يوغوسلافيا السابقة ،وإختياره ضمن فريق روحاني جزء من إنتقالة إيرانية لحكم الشرق الأوسط بموافقة أمريكية غربية شريطة عدم التعرض لإسرائيل ،وضمانات بنووي مسالم ،مع إطلاق اليد في الخليج والمنطقة العربية والشرق الاوسط ،دون إغفال منح تركيا مكانا في الصف الثاني بعد الجمهورية الإسلامية الصاعدة والمتمكنة .
راقبت إبتسامات ظريف لكاترين آشتون ،وللخبير بالنساء وبعواطفهن يدرك تماما إن عبوس نتنياهو لايمكن أن يؤثر في سيدة بريطانية متزمتة تفتقد الى المرح ،وعليها أن تمثل الملكة خير تمثيل في فوضى الإتحاد الأوربي ،وهي بحاجة الى تسونامي من الفرح والإبتسامات حتى لو كانت من مراوغ إيراني يمتلك الدهاء اللازم لإقناع الخصوم بالتنازل مع هدية من شفتين مرتجفتين تبرران للعرب الخائفين وللإسرائيليين الغاضبين ماتم الإتفاق عليه في جنيف.
نحن في مواجهة تحول خطير في الشرق الأوسط ، فالسعوديون يشعرون بفشل مشروعهم الكبير ،والأتراك يريدون الإنسحاب بكرامة من سوريا ولايعارضون التملق لطهران وموسكوللتخلص من الإحراج ،بينما القطريون لامانع لديهم من أن يحالفوا الجميع من طهران الى تل أبيب شريطة النكاية بالسعوديين ، والولايات المتحدة راغبة بالتخلص من هموم الشرق الأوسط وكوارثها في العراق وأفغانستان وماأحدثته من مشاكل في المنطقة سببت لها وجع الرأس وأحرجتها في مواجهة شعبها المضطرب .