انهيار سقف سوبر ماركت واستقالة رئيس

تم نشره الثلاثاء 03rd كانون الأوّل / ديسمبر 2013 01:10 صباحاً
انهيار سقف سوبر ماركت واستقالة رئيس
د.رحيل محمد غرايبة

أقدم رئيس وزراء «لاتيفيا» على تقديم استقالته قبل أيام ، إثر انهيار سقف أحد المولات التجارية في (ريغا أديس) الذي أدى الى مقتل (54) شخصاً وأعلن المتحدث باسم رئيس الوزراء اللاتيفي قائلا: إن الحكومة تتحمل المسؤولة الأخلاقية والسياسية عن هذه المأساة .

هذه الاستقالة تمثل موقفا شجاعا يستحق التقدير من شعب لاتيفيا، ومن كل شعوب العالم ، لأن هذا الموقف يعبر عن روح المسؤولية التي يتمتع بها هذا الرجل، ويعبر عن فهم سليم لمعنى السلطة ومعنى الوصول اليها ، فهي ليست مغنماً ، وليست سلماً الى المكاسب ، وليست طريقا الى مسرح الأضواء والنجومية ، وليست منفذا الى الإثراء او التسلط على اموال المواطنين ومقدراتهم !كما أنها ليست وسيلة الى الانتقام من الخصوم أو الاستعلاء على الناس ، بل هي تكليف ومغرم ، وسهر وتعب ، وحرمان من الراحة والاسترخاء .

كل المصائب التي حلت بالأمة العربية ، ومسلسل الهزائم والنكبات التي تسبب بها الزعماء والقادة العرب الأفذاذ، منذ حلول الاستعمار، مروراً بنكبة (48) وضياع فلسطين، ثم هزيمة (67) التي أدت إلى ضياع كل فلسطين واحتلال الجولان، فضلاً عن حركة الاعتقالات والإعدامات، ومطاردة الأحرار، وتدمير الاقتصادات الوطنية العربية، والمديونيات الضخمة والعجز المتراكم، وتفشي الفقر وتبديد الموارد، كل ذلك لم يؤد إلى استقالة زعيم عربي واحد!! بل خرجت وسائل الإعلام تحمد وتمجد، وتكيل المدح، وترفع أسمى آيات التهنئة والتبريك!!

ليست المشكلة منحصرة في منظومة الحكم وارباب السلطة، ولو كان الأمر كذلك، لكانت المصيبة أخف وطئاً، ولكن المشكلة تكمن في الغالبية العظمى من منظومة الأحزاب والقوى السياسية العربية؛ على صعيد المعارضة والموالاة على حد سواء، فرغم الفشل والهزائم المنكرة التي تحصدها تلك القوى، إلا أنها لم تؤد إلى استقالة زعيم أو قائد سياسي من حزبه، وإعلان تحمل المسؤولية عن العجز بعدم تحقيق الأهداف المرسومة، وعدم تحقيق الإنجاز المطلوب، بل نجد أنهم أحرص من الحكام العرب على التمسك بكرسي الزعامة، وأشد التصاقاً بموقع المسؤولية، ولا يتورع عن القول والإعلان بأن حزبه أو مؤسسته تمر بأحسن أحوالها، بعد كل هذا الفشل وهذا العجز المزري!!

استقالة رئيس وزراء لا تيفيا من أجل انهيار سقف سوبر ماركت أمر مدهش فعلاً، إذ أن انهيار ذلك السقف يدل على خلل وفساد ما، إما في السلطة المختصة أو في اساليب المراقبة و المتابعة، أو التقصير في السهر على راحة مواطنيه في اقل تقدير، حيث مات (54) مواطنا إثر حادث غير متعمد، بينما نشاهد في بلادنا ان عدد القتلى زاد على (154) ألفا، وزاد عدد المشردين على (5) ملايين، فضلاً عن التدمير المريع وانعدام الأمن، ومع ذلك لم يخطر على بال الزعيم أن يعلن تحمل مسؤوليته عن عدم قدرته على توفير الأمن لمواطنيه، ويتكرر هذا المثل في أكثر من قطر عربي وفي أكثر من مرحلة من تاريخ العرب المجيد!!

ليس هذا فحسب، بل هناك دائماً من يطلع علينا ليبرر فعل الزعيم، ويصبغ على الهزيمة كل أوصاف البطولة والتمجيد، ويصبح لهذا الزعيم أتباع وأحزاب، ومفكرون ومنظرون لفقه الهزيمة والانهزام! والتبشير بهذا النموذج في أقطار عربية أخرى وفي ساحات مجاورة، وتأليف الكتب وتدبيج المقالات عن خطورة فقدان هذا الزعيم الملهم! وعن خطورة خلو الحياة العربية من هذا المخلص! وعن تأكيد احتمال انهيار جدار الممانعة والمقاومة الذي يقف سدا منيعا أمام الهجمة الإمبريالية الصهيونية! والمؤامرة الكونية!

نقرأ في كتب التاريخ والسير أن عمر بن الخطاب قال مرة: والله لو أن بغلة عثرت على شاطئ الفرات، لكان عمر مسؤولاً عنها، لمَ لمْ يسوِّ لها الطريق؟ ونجد أن رئيس حكومة لا تيفيا يفقه قول عمر ويتمثله، أما العربان فزعماؤهم يتقنون فن القتل وصناعة الفشل، واتباعهم يتقنون فن التبرير وقلب الحقائق، وصدق الله العظيم القائل: ((فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ)).

(  الدستور 2013-12-03 )



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات