رحلة إلى الشوبك

كنت أعتقد أن الشوبك مدينة تحمل هذا الاسم، وتشكل عاصمة لواء الشوبك ومركزه، ومضى على هذا الانطباع لدي عمر طويل، حتى تيسّر لي دعوة كريمة من نادي أبناء الشوبك لإجراء حوار حول مبادرة (زمزم) مع نخبة كريمة من أبناء اللواء، وبعد أن قطعنا مسافة تقارب (250)كم، اكتشفت أن مركز اللواء مدينة (نجل)، وليس هناك مدينة اسمها الشوبك كما كنت أظن، وضحكت في داخلي ضحكة كبيرة ممزوجة بالخجل، حيث أني تجاوزت الخمسين من عمري، ولم يتيسر لي زيارة الشوبك حتى هذه اللحظة، فشكرت مبادرة (زمزم) من أعماق قلبي التي كانت سبباً في هذه الزيارة والتعرف على مكان جميل من بلدي، ورؤية هذه الرقعة العزيزة على قلب كل اردني، واتاحت لي فرصة اللقاء والحوار مع ثلة من رجالات هذا البلد الذين يبحثون عمن يشاركهم هم الوطن، ويشاركهم واجب البناء ومشوار النهوض.
تقدر مساحة اللواء بــ(640) كم² والذي يعادل 2% فقط من مساحة محافظة معان الشاسعة، ويبلغ عدد سكان اللواء حوالي (15) ألف نسمة، موزعون على (14) قرية (نجل، الزبيرة، المقارعية، حوالة، الجهير، بئر خداد، المثلث الفيصلية، المنصورة، بئر الدباغات، البقعة والشماخ، الحدادة، الزيتونة وأبو مخطوب والجاية).
الشوبك تربض على مجموعة جبال عالية تعد من أعلى جبال الأردن، وتمتاز بمناخ معتدل صيفاً، بارد شتاء، ومعدلات جيدة من الأمطار، وهي منطقة تاريخية عريقة فيها قلعة الشوبك المشهورة، التي ما زالت تحكي قصة العراقة والأصالة والشموخ وعبق التاريخ، هذا اللواء المنعزل البعيد عرف أهله التعليم بشكل مبكر، وفيهم نسبة عالية من أصحاب الشهادات العالية الذين يمتازون بالذكاء والنبوغ.
تقول بعض الإحصاءات أن الشوبك من أكثر مناطق الأردن الطاردة للسكان، حيث يخرج أبناؤها يبحثون عن العمل في ظل بيئة تقل فيها فرص العمل، وتخلو من المعامل والمصانع والمشاغل والمؤسسات القادرة على استيعاب تطلعات الجيل الجديد الباحث عن فرص جديدة في العمل والتعليم.
تمتاز الشوبك بمزارع التفاح، حيث استطاع بعض أثرياء عمان، اكتشاف أن هذه المنطقة المرتفعة تصلح لزراعة هذا النوع من الفاكهة، ويقال بأنّ المنطقة تنتج من أجود أصناف التفاح على مستوى العالم، وهناك ما يزيد على (80) نوعا من التفاح المنتج الذي يشق طريقة نحو الأسواق الأجنبية.
قصة الشوبك تتشابه مع قصص مناطق أخرى أردنية، أكثر جمالاً وأكثف غابات وأشجاراً، ولكنها تحكي قصة الفقر والعوز، مثل عجلون والكورة، اللتين تمثلان رئة الأردن، من حيث كثافة الغطاء النباتي ومعدل نزول الأمطار، ومع ذلك فهما يحويان أعلى نسبة فقر في الأردن، وأكثر المناطق طرداً لسكانها؛وخاصة من أصحاب الشهادات العلمية والكفاءات المميزة.
التساؤل الكبير المطروح علينا جميعاً، وعلى الحكومة والمسؤولين، لماذا لا تكون هذه المناطق محطاً لاهتمام أهل النظر وأصحاب التخطيط؟ ولماذا تخلو هذه المناطق من المشاريع الإنتاجية والخطط التنموية؟ التي تستثمر في مواردها الطبيعية، فهذه المناطق يمكن أن تكون منتجة لأجود أنواع التفاح واللوزيات، ويمكن أن تشكل الزراعة مصدراً لتنمية المنطقة، وليس مصدراً لانتفاخ جيوب الأثرياء من خارجها، ويمكن أن تنشأ منظومة من المصانع والمشاغل والمؤسسات التي تستمر في إنتاج الأطعمة وتجفيفها، بالإضافة إلى انتاج الزيت والزيتون، والأخشاب، والصابون والعطور، وسلسلة متوالية من المنتجات الأخرى، وينبغي أن يتم ذلك من خلال تشغيل أبناء المنطقة وتأهيلهم ليكونوا قادرين على الاستثمار والإنتاج بطريقة ذاتية مبدعة.
أعود لأشكر نادي الشوبك، وأشكر تلك النخبة من الشباب الذين جاءوا للحوار والسؤال والنقد والاستدراك، من أجل إنضاج فكرة المبادرة وتطويرها لتصبح إطاراً وطنياً جامعاً لأبناء هذا الوطن الغيارى على مستقبله ومستقبل أبنائه.