خطاب الحناجر..وخطاب الخناجر..!!

تم نشره الجمعة 06 كانون الأوّل / ديسمبر 2013 12:37 صباحاً
خطاب الحناجر..وخطاب الخناجر..!!
حسين الرواشدة

لم استطع أن أهرب من المقارنة بين خطابين واظبت على متابعتهما على مدى السنوات الماضبة لإخواننا الاسلاميين في بلادنا وفي عالمنا الاسلامي ايضا: احدهما خطاب تردد على ألسنة الكثيرين منهم ممن أتيح لهم فرصة الخطابة في وسائل الاعلام او على المنابر او القاء الدروس والمحاضرات في المساجد والندوات وغيرها ، ومضمونه يبعث على الاحترام والاعجاب فعلا ، كانوا يتحدثون عن قيم الاسلام وفضائل الاخوة والوحدة ، وأولويات الاصلاح والمراجعة ، ومعاني الصبر والحكمة وأدب الاختلاف ، وكان الجمهور - بالطبع - يتلقى هذه الدروس من اخوانه الدعاة و الخطباء بمزيد من القبول والاحترام.. وكنت اعتقد ان رسائلها وصلت وأثرت في النفوس ، والعقول ايضا.

اما الخطاب الآخر ، فكان ميدانيا وعمليا بامتياز ، ولانه من النوع الذي يبث على الهواء مباشرة فقد وصل سريعا الى اكبر قاعدة ممكنة من الناس ، اما مضامينه فكانت مفجعة ومخيبة للآمال: تراشقات بين اخوان الدعوة الواحدة ، وصراعات داخلية غالبا ما تنتهي الى ازمات غير مسبوقة ، واتهامات متبادلة بين الاجنحة والتيارات وتلويح بالاستقالات والانشقاقات ، ومحاولات للاستئصال والالغاء ...، انها باختصار تمرين عملي لخطاب معكوس ، يدعو الى التشرذم والاختلاف المذموم ويحض على الفتنة ويتعارض مع قيم الصبر والحكمة والدعوة بالتي هي أحسن ، ويتناقض تماما مع خطاب المنابر الذي اشرنا سلفا إليه .

الناس في العادة ليس لديهم وقت لقراءة الافكار المكتوبة والادبيات وسير التاريخ ، ولا يملكون القدرة للحكم على ما يقال ،فكل ذلك يبقى ناقصا ومجروحا ومشكوكا فيه ، ما لم يكتمل بالفعل والممارسة ، الناس يتفاعلون مع الحدث الذي يتحرك امامهم اكثر مما يتفاعلون مع الخطب التي يسمعونها ، أوليس الاقتناع بحاجة الى برهان قل هاتوا برهانكم ان كنتم صادقين ، وهذا ما حدث فعلا لمن شاء مضطرا ان يقارن بين افعال الدعاة في الميادين العملية ، وبين خطابهم على المنابر او على صفحات الجرائد ، واعتقد انها كانت مقارنة مشروعة ، خسر فيها الدعاة اكثر مما ربحوا ، وخسرت فيها الدعوة وحركاتها أكثر مما ظن اخواننا الحريصون عليهما.

كنت أتمني ان تكون عودة الاسلاميين الى مشهدنا العام مناسبة للقاء القلوب ، وصيام الألسن عن التصريحات والتسريبات التي تفرق ولا تجمع ، وكنت اقول في نفسي: ألم يجنهد اخواننا - في كل مناسبة - باعطائنا ما يلزم من دروس ومواعظ عن مقاصد الاسلام ، وما يفعله في نفوسنا من محبة واطمئنان وحكمة وايثار ، ومن انسة وألفه ، ومن قوة ارادة ، واحساس بالمسؤولية وتحرر من شهوات النفس وأهوائها ، ومن دعوة للوحدة والاخاء والتعاون وعدم الاخذ بالظنون فلماذا لم يطبقوها على أنفسهم اولا ، ولماذا سقطوا في هذا الامتحان الذي يريدون منا ان ننجح فيه ، ولماذا هذا التناقض بين خطابي الدعوة للناس والممارسة في الميدان ، هل هو الانفصام النكد الذي جعل اقوالنا في وادْ.. وأفعالنا في وادْ آخر..

يا اخواننا الاعزاء: ان كان الناس مطالبون بالالتزام بقيم الاسلام ، وقيم الدعوة، فأنتم الاولى ان تلتزموا بهما ، وان كان المتعاطفون مع دعوتكم مدعوون للدفاع عنها ، فأنتم الاولى ان تحافظوا عليها ، وتحموها ممن ينتسبون إليها ، وان كانت المنابر والميادين التي كنتم تشتكون من تغيبكم عنها شاهدا على دعوتكم الناس بالتي هي احسن ، فإن ميدانكم الذي تمارسون فيه الدعوة والسياسة شاهد على أزمتكم التي لا بدّ ان تجتهدوا للخروج منها.

الناس يحكمون عليكم مما تفعلون ، لا مما تقولون ، فاختاروا لدعوتكم الحكم الذي تريدون ، وأسألوا انفسكم على ماذا تختلفون: على الدنيا ام على الآخرة؟

سؤال التناقض بين خطاب المساجد وخطاب الميادين والشاشات وساحات العمل ، أو بين خطاب الحناجر وخطاب الخناجر يحتاج منكم الى اجابة ، كما ان سؤال النموذج للعمل الدعوي والممارسة السياسية للاسلام الذي تتحدثون باسمه يحتاج الى حسم ، فإما ان يقتنع الناس بما تقولون وبما تمارسون.. واما ان يبحثوا عن آخرين ، وان تتلوا يستبدل غيركم ثم لا يكونوا امثالكم صدق الله العظيم.

( الدستور 2013-12-06 )



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات