مصر والمجهول

تم نشره الثلاثاء 10 كانون الأوّل / ديسمبر 2013 12:47 صباحاً
مصر والمجهول
د.رحيل محمد غرايبة

ما يجري في مصر لا يسرُّ صديقاً، ولا يغيظ عدواً، حيث لا تسير الأمور فيها نحو الانفراج أو الحل، ودون الشروع في جدلية الاختلاف حول الاخطاء وتحميل المسؤولية، ينبغي الالتفات إلى تصاعد الأحداث وطريقة المعالجة، حيث تم اللجوء الحاسم إلى القوة واستخدام العنف في حسم الاختلاف، ولم يتم اللجوء إلى الحوار، ولم يتم الخضوع إلى منهج المشاركة، ولم يتم التخلي عن أساليب الإقصاء والتهميش للطرف المخالف، المصحوب بالشيطنة وإطلاق العنان لغرائز الانتقام والتشفي!.

هناك بعض الشواهد التي تؤشر على جملة أمور تنذر بالخطورة وينقدح منها شرر الفتنة، وتدفع بالدولة والشعب إلى جملة خيارات وبدائل مرعبة، لا تختلف كثيراً من مآلات ما يجري في سوريا، حيث لجأ القائمون على إدارة المشهد المصري إلى استنساخ التجربة السورية من حيث اللجوء إلى بديل العنف وخيار الحسم العسكري الدموي والزج بالجيش والقوات المسلحة والأجهزة الأمنية في مواجهة عنيفة مع الشعب او مع بعض مكوناته من باب تحري الدقة، وأن تم تغليفها بتضليل الرأي العام المصري والعربي والعالمي.

هناك دلائل تشير إلى توريط القوات المسلحة في حرب داخلية طويلة خاسرة! مما سيؤدي إلى اضعاف الجيش، وتهشيم الثقة التي حظى بها على مدار عقود، مما سيؤثر حتماً على روح الجيش المعنوية وعقيدته العسكرية،وذلك عندما يستغرق الجيش في ملاحقة المخالفين السياسيين، وتوجيه العقل العسكري نحو محاصرة الخصوم المحليين على صعيد الفكرة والاجتهاد والرأي، بدلاً من توجيه العقل العسكري نحو مواجهة العدو الخارجي.

المؤشر الآخر يدلك على وجود جهود تسعى الى توسيع الفجوة بين المسلمين والأقباط، حيث لا تخلو الأمور من اختراقات خارجية، وعزم واضح من الدوائر الصهيونية والموساد على الاستثمار في هذه الحالة، من أجل توسيع شقة الخلاف، والنفخ في رماد الفتنة للبحث عن شرر الانقسام المجتمعي الذي حدث ويحدث في مجتمعات عربية مجاورة، وهناك دوائر محلية تحاول أن تستثمر أيضاً في هذه الحالة، تحت ستار محاربة التطرف والإرهاب حيناً، وتحت ستار المظلومية وإثارة الأحقاد التاريخية حيناً آخر، وما تفجير الكنائس إلّا مثال صارخ على مثل هذه المخططات الجهنميّة!.

المؤشر الثالث يدلل على ملامح التدهور الاقتصادي، حيث أنه من البديهي أن التدهور الأمني، والانقسام المجتمعي، وعدم الاستقرار، وانتشار العنف وزعزعة الثقة في نفوس الشعب تجاه أصحاب السلطة، سوف يؤدي حتماً إلى ركود اقتصادي، وتوقف عجلة النمو، وهروب رأس المال، وتعطيل الاستثمار، مما يضاعف المديونية ويراكم العجز، ويزيد نسبة البطالة، التي ستزيد من منسوب العنف، وتهيىء البيئة الخصبة للتطرف مما يجعل الشعب والسلطة والجيش في صراع مستمر و البقاء في حلقة العنف والمواجهة السرمدية.

المشهد المصري غير المستقر سوف يلقي بظلاله على المشهد العربي والإقليمي، مما سيؤدي حتماً إلى ضعف الموقف العربي الضعيف أصلاً، و سوف يحول دون القدرة على إحداث عملية نهوض عربي قادر على مواجهة القوى الإقليمية الطامعة في ضعف العرب، والطامحة إلى تحقيق إنجازات سياسية إقليمية على حساب أمة العرب وأرضهم ومقدراتهم وبترولهم، والاتفاق الإيراني-الأمريكي الأوروبي الاخير خير مثال على هذا التنافس الإقليمي الذي يؤشر على خسران العرب وضعف اثرهم في صياغة مستقبلهم وحفظ اوطانهم ومقدراتهم!

ينبغي أن يتم تقرير البديهية القائلة أن اللجوء إلى العنف والقوة واستخدام الجيش والقوات المسلحة والإعلام والقضاء في حسم الأمور ومصادرة الارادة الشعبية لن ينجح ولن يحقق الاستقرار، وإذا تحقق بعض النجاح فهو أمر مؤقت. ودفن للجرح على غير شفاء، مما ينبىء بانفجار المشهد الحتمي ولو بعد حين. ولذلك لا حل إلّا من خلال القدرة على تهيئة البيئة المناسبة لإرساء منهجية جديدة تقوم على المشاركة الحقيقية القائمة على مبادئ التسامح والتصالح، ولعل تجربة مانديلا الواضحة إحدى الشواهد على كيفية الانتقال في البلاد في هذه المرحلة الحرجة والاقلاع نحو الاستقرار الحقيقي واستنبات بذور العمل النهضوي الذي يبني ولا يهدم، ويدفع بعقول المصريين جميعاً نحو البناء الحضاري ،في ظل ديمقراطية صحيحة ترسي قواعد الأمن وتزيل الخوف من صدور جميع المصريين دون استثناء أي مكون أو طرف، مهما كانت درجة الاختلاف والتباين في الدين والمذهب والفكر والسياسة.

( الدستور 2013-12-10 )



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات