معنى الحرية

تم نشره الأربعاء 11 كانون الأوّل / ديسمبر 2013 01:23 صباحاً
معنى الحرية
اوكتافيا نصر

علّمتني جدّتي دروساً في الحب والتعاطف مع الآخرين. وعلّمتني والدتي التسامح والصبر. وأنا أبذل قصارى جهدي لأعلّم ابنتَيّ معنى الحرية.

لا أريد أن تكبر ابنتاي على الاعتقاد أنّ الطغاة والعنصريين لا يُقهرون، وأن التجانس هو السبيل الوحيد للتعايش. أرفض أن أعلّمهما الخضوع للقواعد إلا إذا كانت منصفة ومتساوية للجميع، وأرفض أن أعطيهما انطباعاً أن التعرّض للتمييز هو واقع من وقائع الحياة التي يجدر بهما تقبّلها فحسب من دون تحدّيها.

أعتبر نفسي محظوظة لأنني كبرت بين عدد كبير من الأشخاص الذين علّموني عن الحياة، في المدرسة والمنزل وفي الكثير من الأوساط المتنوّعة سياسياً وروحياً بين العائلة والأصدقاء. وفيما كنت أستكشف وأقرأ وأتعلّم، كنت أتواصل دائماً مع الطرف الآخر. صحيح أن بعض المحاولات لم يسفر عن أي نتيجة، لكن عدداً كبيراً منها ساهم في ردم الهوّة وتوضيح المواقف، حتى إنه ولّد صداقات استمرّت مدى الحياة.

وجدت أن إظهار الاحترام أو ضبط النفس يُساء فهمه أحياناً، فيُصوَّر بأنه دعمٌ أو خضوع. المجتمع مبني على الأحكام الخاطئة وقصر النظر. غالباً ما تُعمي الأحكام المسبقة البصائر، ففي نظر كثيرين، المختلف سيئ والرأي المناقض هو حجّة مثيرة للانقسام، والتنوّع عداء.

وكذلك يساء فهم مبدأ الحرية. ربما لأن الحرية تبقى مفهوماً تجريدياً بعيداً إلى أن يفقدها المرء. في مرحلة الطفولة، صرخة الـ”لا!” التي تصدر من أفواهنا هي بمثابة رد فعل بالفطرة على شخص يتعدّى على حريتنا الغالية ومساحتنا الشخصية. ثم في المراهقة، ندخل مرحلة من الثورة الحقيقية فيما نفرض الطريقة التي نريد أن نعيش بها حياتنا بعيداً من القواعد التي يضعها أهلنا ومجتمعنا. من المؤسف أن يخرج المرء من مرحلة المراهقة ويدخل مرحلة الرشد خاضعاً، ومتقبّلاً للقيود التي تكبّله، ومنصاعاً للقواعد التي يفرضها عليه الأقوياء والتي قد تكون مجحفة جداً، فيما يخوض منافسة محمومة تبعده عن طبيعته الأصلية وتجرّه نحو مجتمع بلاستيكي بنته الحكومات والشركات والمستقوون من حولنا.

لو أمكنني الاختيار، لعدت بالزمن إلى الوراء وتعلّمت من جديد من الأطفال قوّة الـ”لا” العنيدة كي أستخدمها في كل مرة يتم فيها التعدّي على مساحتي الشخصية، وتهديد حرّيتي أو انتهاكها، واختطاف حقوقي أو الاعتداء عليها.

الحرية، كما الحب، سلعة نادرة وقيّمة. محظوظٌ من يمتلكها وذكيٌّ من يحافظ عليها بكل ما أوتي من قوّة؛ لكننا لا نفهمها حقاً إلا عندما نخسرها!

( النهار اللبنانية 2013-12-11 )



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات