بين وحشين

تم نشره الجمعة 13 كانون الأوّل / ديسمبر 2013 02:54 صباحاً
بين وحشين
حسام عيتاني

على صفحتيهما على موقع التواصل الاجتماعي «فايسبوك»، تسجل رزان زيتونة وسميرة الخليل يوميات ثورة محاصرة. هما الصامدتان والناشطتان في غوطة دمشق، تصفان الحياة في بيت تتشاركان الإقامة فيه.

تتحدث سميرة عن ليلة القصف الكيماوي الرهيبة (21 آب / أغسطس الماضي) وأطفال يلعبون كرة القدم بين القذيفة وأختها، بعضهم يموت بسببها «فتنتهي اللعبة». عن طيبة الجيران الذين لم يتخلوا عن عاداتهم في الكرم وتوزيع صحون الطعام رغم الحصار والفقر والهزال الذي بات يوحد الجميع حتى بالصفات الجسدية.

تروي رزان قصص الطريق المغلق بقبضة من نار وحقد حيث يسقط شبان أثناء محاولات التسلل لجلب الطحين أو لفك الحصار. لكنها لا تنسى الإشارة إلى الهررة الجائعة ومحاولاتها العثور على طعام لها. الخوف يجمع الكائنات كلها. لكن أيضاً الإصرار على كسر الحصار والانتصار عليه من داخله بعدما عزّ العون واختفى المدد.

تقول يوميات رزان وسميرة على «فايسبوك» ما لا تستطيع بيانات المعارضة قوله أو حتى الاقتراب من فهمه: إن الثورة في سورية مسألة حياة أو موت، بالمعنى الحرفي للكلمة. البديل عن انتصار الثورة وسقوط نظام القتل الجماعي، بالسلاح الكيماوي وبالسكاكين، هو فناء كل من تطلع يوماً إلى مستقبل افضل لسورية. بهذه البساطة.

لا حسابات سياسية على طريقة أصحاب الدكاكين تتناول الربح والخسارة، ولا فذلكات استراتيجية ومناطق نفوذ ومصالح الغرب والشرق، ولا اهتمام باتفاقيات حول برامج نووية ونزع أسلحة هنا وهناك. بل الثورة بمعناها الفج، البسيط، الواضح: إسقاط النظام وما يمثل أو الموت.

مأساة رزان وزوجها وائل حمادة وسميرة والشاعر ناظم الحمادي وغيرهم كثر من الذين اعتقلوا معهم وقبلهم وسيعتقلون بعدهم على ايدي من يفترض انهم من الثوار، انهم يقاتلون وحشين. بل وحش واحد برأسين، للدقة. رأس نظام القتل والاستبداد والمصادرة، ورأس ينتمي إلى ذات الجسد الذي انتج النظام ولا تنقصه الشهوة الى السلطة والإقصاء. وقف ناشطو الثورة في مواجهة هذين الرأسين. حاولوا التركيز على الجانب الإنساني في مجتمعهم. الجانب المطالِب بالعدالة والحرية والانعتاق، وما تنطوي عليه هذه العبارات من شمول لكل السوريين بمذاهبهم وأديانهم وأعراقهم. الجانب الرافض للقمع والاستقواء بالسلاح والعنف على المجتمع، من أنّى جاءت هذه الممارسات.

لا يعني هذا الكلام بحال وضع علامة مساواة بين النظام وبين اعدائه. بل يرمي إلى التصويب على ما يرفض كثر، وبعد ألف يوم تقريباً على الثورة، الاعتراف به: في الوقت الذي كان السوريون يسعون فيه الى التخلص من استبداد عائلي مافيوي، اصطدموا بصورة أخرى لمجتمعهم المنقسم طوائف ومناطق وعصبيات جريحة. اصطدموا بشرائح عريضة لا ترى أهلية لغيرها في الترؤس والتقدم، ولو في جنازة.

وليس سراً ان النظام نجح في إخراج أسوأ ما لدى جماعات كبيرة من السوريين ودفعه إلى تولي الصراع ضد افضل ما لدى السوريين. ونجح في جعل التجذر الثوري مسألة طائفية وعرقية وليست مسألة خيارات سياسية واجتماعية. ونجح في إحياء مخاوف المهمشين والمقصيين السابقين من العودة إلى المقاعد الخلفية. ونجح في إظهار ركاكة البنى الاجتماعية وخطر الركون إلى «تسامحها» واحترامها للآخر.

على هذه الطريق الوعرة والخطرة، تسير الثورة السورية. ويسير معها مستقبل المشرق العربي. وهذا ما تعرفه رزان زيتونة وسميرة الخليل وناظم الحمادي ووائل حمادة والأب باولو وفراس الحاج صالح ومئات ممن يواجهون بشجاعة وحوشهم التي سينتصرون عليها.



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات