المهمة المستحيلة لكيري

بعد مرور أربعة أشهر على بدء المفاوضات بين الاسرائيليين والفلسطينيين من دون التوصل الى حل يقبل به الطرفان، يبدو اليوم ان مساعي التسوية السلمية دخلت مرحلة جديدة وحساسة، وذلك بعد اقرار الادارة الاميركية الدخول بقوة على خط التفاوض وطرح رؤيتها للحل، واجبار الطرفين على كشف مواقفهما الفعلية.
يبدو حاليا اليوم ان وزير الخارجية الاميركي جون كيري سئم مراوحة المفاوضات السياسية مكانها، وقرر بدعم من الرئيس باراك أوباما طرح "اطار للاتفاق" هو حل وسط بين الاتفاق الدائم والتسوية الموقتة، وذلك بعد تأكده من استحالة التوصل في ما تبقى من مهلة الاشهر التسعة الى اتفاق، وخوفه من ان تؤدي حال المراوحة التي تسود المفاوضات الفلسطينية – الاسرائيلية حاليا، والتوتر الناشئ يبن حكومة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وادارة أوباما بعد الاتفاق مع ايران، الى تفجير هذه المفاوضات وانهيارها.
يحاول كيري والطاقم المساعد له من خلال الاطار المقترح للاتفاق جمع البنود التي يطالب كل طرف الطرف الآخر بالاعتراف بها، وذلك في محاولة لتجميع النقاط التي يقبل بها كل طرف، وتأجيل بت القضايا الخلافية الى وقت آخر. فالمهم بالنسبة اليه دفع الاسرائيليين والفلسطينيين الى توقيع اطار الاتفاق، مع كل الاهمية الرمزية التي يمكن ان يشكل هذا الحدث اذا حصل في هذه المرحلة بالذات.
ولكن كيف لكيري ان ينجح في هذه المهمة شبه المستحيلة؟ يعمل وزير الخارجية الاميركي على أكثر من جبهة، فهناك الاجتماعات الطويلة التي عقدها مع طاقمي المفاوضات، والزيارات المتكررة التي قام بها للمنطقة والنقاشات التي أجراها مع نتنياهو والرئيس محمود عباس، الى جانب نتائج العمل الذي قام به فريق من العسكريين الاميركيين الذي عكف طوال أشهر على وضع حلول عملية للمسائل الامنية.
يطمح كيري الى طرح اقتراح يبدو كأنه انجاز بالنسبة الى الطرفين. فعلى سبيل المثال، مقابل انسحاب اسرائيل الى خطوط 1967 ستحصل على ترتيبات أمنية مثل استمرار وجودها العسكري في غور الاردن مدة 10 سنين، ووجودها على المعابر الحدودية للدولة الفلسطينية مع الاردن. أما الفلسطينيون، فمقابل تنازلهم عن حق العودة سيحصلون على دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية.
لكن الراهن اليوم ان موافقة بنيامين نتنياهو على الاقتراح الاميركي ستؤدي حتما الى انهيار الائتلاف اليميني الذي يرأسه، لأنه من شبه المستحيل ان تقبل أحزاب اليمين بفكرة مثل القدس عاصمة للدولة الفلسطينية. فهل يخاطر نتنياهو بالتخلي عن حلفائه من اليمين وخسارة قاعدته الشعبية بين المستوطنين من أجل ذلك؟ والأهم هل يمنح ادارة أوباما فرصة تحقيق انجاز سياسي آخر على صورة تسوية فلسطينية – اسرائيلية؟
( النهار اللبنانية 2013-12-13 )