أميركا في الشتاء

تم نشره السبت 14 كانون الأوّل / ديسمبر 2013 02:05 صباحاً
أميركا في الشتاء
سمير عطا الله

طوال نصف قرن لعبت أميركا في العالم دورا غير متزن أو متوازن. خرجت منتصرة في الحرب العالمية لتجد أن حليفها السوفياتي أصبح ألد أعدائها، يريد بسط الشيوعية في أنحاء الأرض، بدءا من الريف الأميركي وهوليوود ونيويورك. طار صوابها أمام الهاجس الشيوعي الذي تجاوز، باردا، الهاجس النازي المدمر. وصل الشيوعيون إلى كوبا وأعطوا موسكو قاعدة للصواريخ النووية قبالة الساحل الأميركي. ووصل الأميركيون إلى سايغون وكمبوديا واللاوس. انقسم العالم إلى ألمانيتين، وصينين، وكوريتين، ومعسكرين وثقافتين ونظامين سياسيين؛ واحد يسمى الحر، والثاني سماه تشرشل، الستار الحديدي.

عشنا في هذه المنطقة في قلب هذا الصراع. بسبب تأييد أميركا لإسرائيل رفضنا أن نقبل الدور الحاسم الذي لعبته في حرب السويس. وكان كل من ينتقدها عميلا. ومن يبالغ في انتقادها كان عميلا مقنعا يريد أن يخبئ عمالته لكي يتسنى له التجسس على العبقريات العربية والاختراعات ومصانع الطائرات والمختبرات التي تتدفق منها الاختراعات الطبية كل يوم.

لم تكن الحماقات الأميركية بريئة أيضا. انقسم الداخل الأميركي بين «كارتيلات» صناعية عسكرية تتاجر بالسلاح، مثل أصغر مهرب بلا أخلاق، وبين دبلوماسية محدودة الأثر. لخص الحال كتاب عنوانه «الأميركي البشع»، صار فيلما من بطولة مارلون براندو (1963). نمت الأحزاب الشيوعية في أوروبا على نحو شديد. استخدم السوفيات الآيديولوجيا في وجه القوة والثروة.

لم يطل مفعول الآيديولوجيا. انهارت الشيوعية فوق وعودها المسكينة، وتراجع الروس دولة إقليمية لا ذكر لها. وحدث اختلال من نوع جديد: صار العالم أحاديا للمرة الأولى منذ قرون. أول من تسربل في وعي أحكام الوضع الجديد، كان الأميركيون. في هذا الفراغ ظهرت قوة، أو مجموعة قوى غامضة، تحت اسم واحد هو «القاعدة». لثاني مرة في تاريخها وجدت أميركا عدوا يقاتلها في الداخل، فكان خيارها الخروج إلى مقاتلته في «أرضه». اختل الميزان من جديد.

يحدث اختلال من نوع لا مثيل له مع انسحاب أميركا «الأوبامية» من كل مكان واندفاع روسيا «البوتينية». من كان يتصور أن المطلب سوف يكون بقاء أميركا لا انسحابها، وأن الغضب سوف يكون بسبب «تخليها». أجهضت أميركا «الربيع» العربي في مصر، وتركتها غرقى في يومياتها وأخرجتها من المعادلة العربية الكبرى. وتبلبلت في ليبيا. وغابت عن الوعي في سوريا، مقدمة ومحجمة، مساهمة في البلاء لا في الحل. ورضخت في العراق لشروط المهزوم لا لتوافق التسوية.

في خروج أميركا ضعيفة، وقدوم روسيا لا أصدقاء لها ولا معارف ولا وجود إلا اللمم، يختل التوازن العالمي مرة أخرى. رجل متجمد في الكرملين، ورجل ذائب في البيت الأبيض. والقوى الغامضة التي كانت تضع قوة أميركا في الاعتبار، تنبت من كل مكان. لقد تعود العالم على أميركا قوة درجة أولى. وهو لا يعرف كيف يتصرف معها درجة ثالثة.

( الشرق الاوسط 14/12/2013 )



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات