... فتفكَّروا !

بعيداً من التفاؤل والتشاؤم والتشاؤل، وبعيداً من المواعظ الفارغة التي لا تختلف عن عَلك الصوف، الفراغ الشامل هو الهدف الكامل بالنسبة إلى فئات لبنانيّة ذهبت بعيداً في "انشقاقها" عن الدولة، ورهاناتها ومغامراتها الخطيرة، على ما يعتقد المحلِّلون.
إلاّ إذا تغيّرت، فجأة، وجهة التطوّرات وحصل ما يُشبه العجيبة بالنسبة إلى مسار الحرب السوريّة، و"الحرب" الأخرى المتصلة بها، ومن طريق إيران النوويّة والدول الغربية بزعامة الإمبراطوريّة الأميركيّة التي دخلت مرحلة الشيخوخة.
صحيح أن لا ناقة للبنان في هاتين الحربين ولا جَمَل. وتحديداً لبنان الرسمي. ولبنان الدولة. ولبنان النأي بالنفس. لكن الاقتراب الجغرافي والتداخل البشري القديم الجذور لم يحولا دون "الانخراط العفوي" في الحربين معاً... وبواسطة ألف وسيلة ووسيلة. مباشرة. وعَبْرَ الحدود. بالنزوح اليومي. بنقل الأسلحة من إلى... إلى آخره...
يُضاف إلى هذه الأمثلة والبراهين الشلل المُزمن الذي كبّل لبنان وعطّله وعرّضه لموجة عارمة من الهجرة، وجمّد دورة الحياة الاقتصادية والإنتاجيّة من الناقورة إلى النهر الكبير.
فضلاً عن أعباء شلاّلات النزوح من حرب الشقيقة إلى حضن الشقيق "الآمن"، والتي تجاوزت بأرقامها المليون ونصف المليون كما تُعلن المعلومات غير الرسمية. والحبل على الجرّار.
إنما بيت القصيد ليس هنا. ولا بيت الداء أيضاً. فالتعقيدات اللبنانيّة بلغت نقطة الانعطاف، إما صوب الحلول الموقّتة وإما الانحراف إلى ما يحذّر الأشقاء والأصدقاء من الانزلاق إلى جحيمه.
فالفراغ يؤدّي إلى النْقار. والنْقار يؤدّي إلى الاشتباك أو الافتراق، أو الاثنين معاً. والتهويلات "الصريحة" تتحدّث عن شيء بهذا المعنى. مع التأكيد أنّ لا شيء يتمّ، ولا حكومة تتشكّل، ولا رئيس جمهوريّة يُنتخب، إلا بموافقة مسبقة ومعلنة على شروط ومطالب لا رجوع عنها.
حتى بالنسبة إلى التمديد أو التجديد.
وإذا قيل لفريق الشروط والتعطيل إن من شأن هذه "التصرفات" دفع لبنان إلى الاقتتال، وربما التحارب، وربما إلى الأسوأ والأخطر، فيأتي الجواب حالاً وسريعاً: فليَكُن ما يكون...
بصورة عامة، وبمزيد من التفاصيل أو من دونه، ليس من مصلحة لبنان، ولا من مصلحة تركيبته المهلهلة، تجاهل هذا الواقع وهذه التفاصيل. ولا يعتقدنّ فريق مسلّح، أو فريق يتسلّح، أو أفرقاء يغسلون أيديهم، أن الحلول تأتي من هذه الطرق وبهذه الوسائل.
لا بدّ من مبادرة. لا بدّ من مسعى، لا بدّ من "قوة ثالثة" تنزل إلى الساحة السياسيّة وتطرح حلولاً، أو اقتراحات تخفّف وطأة هذا التشنّج، وهذا التصعيد اللذين يخيّمان فوق لبنان بغيوم أشدّ اسوداداً من غيوم العزيزة "أليكسا".
قديما كانت النصيحة بجمل. اليوم يتلقّى لبنان مئات النصائح. وكلها تشدّد على عدم الانزلاق إلى فخّ الفراغ. فتفكّروا...
( النهار اللبنانية 2013-12-15 )