الثورة الدائمة... في أوكرانيا

امتلأت قلوب الأوكرانيين غضباً من الرئيس فيكتور يانوكوفيتش. دفعهم الى الاحتجاج في الساحات مجدداً بعدما قرر التخلي عن الشركة السياسية مع الاتحاد الأوروبي والاستعاضة عنها بالاتحاد الجمركي مع روسيا. أيقظ الحنين الى "الثورة البرتقالية". عساها تتلافى هذه المرة أخطاء انتفاضة عام 2004.
للمرة الثانية خلال تسع سنين، يواجه يانوكوفيتش منذ 22 تشرين الثاني احتجاجات شعبية في الشوارع على رغم اخفاق مجلس النواب في سحب الثقة من حكومة رئيس الوزراء ميكولا آزاروف. لا يزال المحتجون يعتصمون في ساحة الاستقلال. يطالبون برحيل النظام الموالي لروسيا. حطموا تمثال فلاديمير لينين تعبيراً عن سخطهم من الرئيس فلاديمير بوتين. يتطلعون الى بروكسيل لا الى موسكو، ليس فقط لأنهم يريدون دخول الاتحاد الأوروبي، بل لأن أكثرية الأوكرانيين تعتبر أوروبا رمزاً لقيم الديموقراطية والحرية وحقوق الانسان.
لا تقتصر الاحتجاجات على العاصمة كييف. تراخت قبضة يانوكوفيتش الى حد بعيد في غرب البلاد. يشعر حزبه باقتراب الخطر من معاقله في الجنوب والشرق. لا أحد يعرف ما اذا كان النظام سيحاول سحق هذه "الانتفاضة الأوروبية" بواسطة "شرطة مكافحة الشغب والبولدوزرات والهراوات"، كما يخشى وزير الخارجية الأميركي جون كيري. لكن حتى لو فعل، ولن تنتهي الأزمة. يبدو أن التظاهرات ستستمر. سيبقى يانوكوفيتش ضعيفاً لأن الأسباب أعمق من ازدرائه الاتفاق مع أوروبا. خلال السنوات الثلاث من حكمه، حوّل النظام ديكتاتورياً. استأثر بكل السلطات الرئيسية. جعل مجلس النواب درجاً للأختام. جرد القضاة من استقلالهم. أعاد للأوكرانيين كل الاسباب التي قادتهم الى انتفاضة ثمانينات القرن الماضي على الحكم السوفياتي، والى عصيان عام 2001 ضد نظام ليونيد كوتشما الاستبدادي، والى "الثورة البرتقالية" ضد يانوكوفيتش نفسه بعدما زوّر الانتخابات الرئاسية لعام 2004.
يمثل التقارب مع الاتحاد الأوروبي الفرصة الفضلى لأوكرانيا. تركها يانوكوفيتش ارضاء للكرملين. غير أن أحداً لا يعرف ما اذا كانت المعارضة قادرة الآن على قيادة البلاد الى الاصلاح والى الديموقراطية. تشكل بولونيا النموذج الأنجح والأقرب للابتعاد عن الأنظمة الاستبدادية الموروثة من الحقبة السوفياتية. بموقعها الاستراتيجي بين أوروبا من جهة وروسيا من الجهة الأخرى، يحتاج الطرفان الى أوكرانيا مستقرة، لأن انعدام الهدوء في بلد يوازي بحجمه وعدد سكانه بلداً مثل فرنسا، يعني زعزعة كل دول أوروبا الشرقية تقريباً.
يبدو أن لدى بوتين حسابات أخرى. يحاول اعادة بناء مناطق النفوذ خارج روسيا. يلوح بالعصا والجزرة لكل من أوكرانيا ومولدافيا. يسعى الى إقامة اتحاد أورو – آسيوي على أنقاض كومنولث الدول المستقلة، علماً أن لا فائدة سياسية أو اقتصادية لتكتل كهذا في عالم اليوم.
كأن استقلال أوكرانيا يحتاج الى ثورة دائمة.
( النهار اللبنانية 2013-12-17 )