لا لحكومة الأمر الواقع

عاد الحديث مجدداً عن موضوع الحكومة وصيغة 9 – 9 – 6 التي يريد "حزب الله" فرضها مهما حصل، وإلا فالفراغ أو الفوضى تبعاً لما سيقدم عليه الاستقلاليون أو ثنائي الرئيس المكلّف تشكيل الحكومة الجديدة ومعه رئيس الجمهورية.
ومع أن حصول حادثة جديدة استهدفت الجيش في صيدا استدرج إجماعاً وطنياً على أهمية الدفاع عن الجيش والحفاظ عليه، فإن الحادثة استغلت في شكل أو آخر لبث الرعب من تمدد التطرّف في بعض الأوساط واعتبارها حافزاً للقبول بشروط "حزب الله" تفادياً لتمدد التطرّف الذي يكبر يوماً بعد يوم!
والتطرّف يتنامى ليس بالشكل الذي يدور الحديث الترهيبي عنه، ولكنه يكبر، ويتحوّل الى حقيقة ملموسة في أوساط تعتبر نفسها مقهورة، ومهدورة الكرامات على يد تطرّف آخر سبق أن وضع يده على مقدرات البلاد، وأرهب المكونات السياسية، ومن هنا تمدد مناخات التصلّب ثم التطرّف الذي يعتبر أصحابه أن كل الوسائل غير العنفية، والسلمية، لم تمنع المتطرّف الآخر من التمدد على حساب الجميع، تارة بالإكراه، وطوراً بالاغراءات المادية والمعنوية. ويرى أصحاب هذا المزاج الغاضب، أن ما يحصل ظلم كبير واقع عليهم وعلى بيئتهم التي كانت دائماً صاحبة رهان على الاعتدال والحلول السياسية، والدليل أن بيئة واحدة في لبنان واظبت على التسلّح، ومراكمة الوسائل العنفية، وجعلتها في خدمة مشروع إقليمي، ثم استغلته لقلب موازين القوى في الداخل لمصلحة بناء توازن جديد ينسف كل التوازنات القائمة على المعادلة السياسية السلمية.
لقد ظلم الناس، وظلمت بيئات بسبب السلاح وأصحاب السلاح، ومن المؤسف أن الدولة بمجملها، بعد تشكيل الحكومة المسخ الأخيرة صارت كمؤسسات تحت سيطرة وتحكّم الظلم المتمادي الذي لا يرى أصحابه أنهم يجرون لبنان نحو نار جهنم ستحرق الجميع من دون تمييز. نحن لا نريد أن ندافع عن الانتحاريين الذين ارتكبوا الاعتداءات الاخيرة على الجيش، لكننا نتطلع الى معالجة جدية لا الى معالجة أمنية بحتة. ونقول لمن يعتبرون ان الإذعان لقرار "حزب الله" يقي البلاد شره، أنه ربما يغيب عنهم أن الاستسلام والاذعان قد لا يكونان خيار الجميع، كما أن ما ينطبق من التزام قرار فوقي في بيئة معينة قد لا ينطبق في بيئة أخرى. أكثر من ذلك، نقول إنه بالتوازي مع السعي المحموم لحمل الآخرين على الالتحاق بمركب الإذعان، يجدر البحث في الطرق والوسائل التي يمكن أن تحمل الطرف المتجبّر والمستكبر بطغيانه المسلح على العودة الى الرشد، والكف عن نسف البلاد فوق رؤوس الجميع. فالانتحاريون ليسوا أساس المشكلة، بل من استدرج كل هذا الغضب وزرع الأحقاد في لبنان وسوريا.
إن الاستسلام ممنوع، ولـ"تكفيريي الممانعة" الذين يعتدون بقوتهم وجبروتهم في مقابل الخيار السلمي للآخرين، نقول افعلوا ما شئتم. لكن لا استسلام ولا إذعان.
( النهار اللبنانية 2013-12-18 )