أضَأتَ شجرة الميلاد..لِكنَّ لم يُضيئوا أشجارَهُم!
إلى فخامة الرئيس الأمريكي باراك أوباما
أضَأتَ شجرة الميلاد.. لِكنَّ لم يُضيئوا أشجارَهُم!
أصْغَيتَ لترانيم الميلاد، ورنَّمتَ مع المُرنِّمين نشيد المحبة والسلام والفرح: "المجد لله في العُلى وعلى الأرض السلام وبالناس المَسَرَّة" هذا النشيد الذي أنشدته الملائكة فوق فضاء بيت لحم، فشقَّ سكون الليل وصمته الرهيب وجعل حُلكته نوراً مُعلِناً ميلاد السيد المسيح. لكنَّ أيتأتى لهم وقد بلغ بهم الرَّوع أقصاه أن يُصغوا لتلك الترانيم وقد حجبت أسماعهم ضربات الصواريخ العشوائية ودويِّ المتفجرات وآلات الموت! وكيف لهم أن يُنشِدوا نشيد الملائكة وقد التصقت ألسِنتهم بالحناجر ظمأى للأمن الذي عَهدوه وألِفوه فسُلِب منهم لا لذنب اقترفوه!
في "بيتكم الأبيض" الذي تعبق في أرجائه شذا الأزاهير، وقرب موقد تتقد جمرات خشبه الصنوبري فتبعث الدفء في المكان، اتكأتَ بأبهى حلة ومِن حَولِك أهل بيتكَ تتسامرون بتناغم وانسجام ومحبة وطمأنينة، ثَّم اتخذتَم موقعكم إلى مأدبة العيد الزاخرة بما تشتهيه النفس وارتشفتم أصفى الشراب وأفخره، ولا يَضيِرُ ذلك فهو حقٌ لكم، فالعيد يأتي مرة واحدة في السَّنة!
أمَّا مَن كانت بيوتهم - مِن جميع المذاهب والطوائف - تنبض بالانسجام والألفة والمحبة، وجدرانها المرصَّعة بتذكَارَات تروي مسيرة العُمُر.. فأيُّ حالٍ حالُهم!
أيُّ حالٍ حالُ مَن كانت أشجارهم تصَفق مَسَرَّةً، وبساتينهم تُنوِّرها الأزاهير الشَّذية، وبلابلهم تُغَرِّد أحلى الألحان!
أيُّ حالٍ حالُ مَن هجروا بيوتهم قَسْرَاً فأخذت تحنُّ لِساكِنيها ومؤنِسِيها ليُبعدوا عنها وحْشَة الوَحْدَة وعواصف الأسى والحسرة!
أيُّ حالٍ حالُ مَن يستدفئون بتنهداتهم علَّها تُبْعدِ عنهم شيئاً من بَرْد كانون الذي يُداهِم بِشِدَّتِه الجَّسَد فيخترقه!
أيُّ حالٍ حالُ الأرامل والثكلى والمكلومين الذين باتوا يعجنون خبزهم بالدموع، واليتامى الذين يرشفون دموعاً سخينة تنسكب من مآقيهم إلى خدودهم إلى ثغورهم!
أيُّ حالٍ حالُ من اصطادتهم مفخَّخات ومتفجرات قِوى الشَّر والإجرام فبتَرَت أجزاءَ من أجسامِهم أو عطَّلت غيرها لتلازمهم العاهات الجسدية وتُقْعِدهم مدى حياتهم!
أيُّ حال حالُ مَن قَصَدَ أموات النفوس أن يُشتِّتوا الأخ عن أخيه فيتجرَّع المرارة، والجار عن جاره فيتجرَّع الأسى!
أيُّ حالٍ حالهم، بل أيّ حالٍ حال عالمنا الذي سقطت الموازين الإنسانية والأخلاقية والقِيَمِيَة فيه!
فخامة الرئيس، على خَطأ مَن يقول: ما علينا.. مَا لنا ومَا يجري! فعين التاريخ ترصد ولا تنام.. ولسانه يتحدث.. وسيتحدث عمَّا قريب ومع انقشاع السحابة الدكناء التي قلبت حياة الناس وأمنهم وسكنيتهم إلى مرارة يتعذر وصفها!
وتزدحم الأسئلة: لِمَا تغيَّرت الدنيا وتنكرت؟ أين حكمة الحكماء.. أم تبرَّأت الحِكمة مِن أهلِها؟ أين صوت العقل والمنطق.. أمْ جرى إخْفاته ليبقى حبيس الصدور فتعلو عليه أصوات المُحرِّضين ومَن تنازلوا عن آدميتهم بأفعالهم؟
وأبوح بما يعتمل في صدري فأقول: تُراها كولائم الأحلام كانت، تلك المؤتمرات والاجتماعات والاتفاقيات التي عقدت بين الدول وبشتى مُسمَّياتها وما كان يواكبها مِن خطاباتٍ بَهَرَتنا، وتصريحاتٍ خدَّرتنا، وتطميناتٍ هدَّأت فينا الخواطر لسنوات كثيرة! وشاهِدي على هذا، أنَّ السِّلم العالمي والإقليمي في خطر، وجدران العداوات بين الدول ازدادت ارتفاعاً وعَرْضاً، وشوكة الإرهاب - الذي أجمعتم على مكافحته - قد ازدادت سُمِّية، ورائحة الموت ودمار عمران الناس وهدم مُنجزات الدول وأخص بذلك شرقنا العربي على مدِّ البصَر، وسهام أبالسة الأرض خصوم السلام والاستقرار تتطاير فتنقضّ على الأبرياء والعُزَّل، ودسُّ الدسائس ورمي البغائض بين أطياف الناس والتدخل في شؤون الدول يجري بِرَسْم مُحْكَمٍ وتخطيط مُسبق، وأصحاب المصالح جعلوا الدول الآمِنة طُعْمَةً لأهوائِهم ومآرِبهم، والفتن المذهبية والطائفية والعِرقية تزداد توسُّعاً وتمدُّدَاً وإهلاكاً، وامتدت أيدي الغدر إلى بيوت العبادة لتدمِّر وتُخرِّب وتعبث بالكنائس والمساجد على حدٍ سواء، الكنائسَ التي ما انفكت تقرع أجراس قِبابها داعية إلى المحبة لتتلاقى مع نداءَات مآذن المساجد تدعو الناس لفعل الخير والفَلاَح، وامتدَّت الوحشية لتنال من المُصَلِّين الأبرياء العُزَّل أثناء رفع أكفِّهِم إلى ربِّ السموات والأرض طلباً لعونه ، ولم توفر مَن حَملوا في قلوبهم المحبة للقريب والبعيد والغريب فقتلت وخطفت واختطفت ورهنت رجال الدين والأئمة والمشايخ والأساقفة والكهنة والرهبان والراهبات.
فخامة الرئيس، قبل ألفي عام ونَيِّف وفي ساعات الليل الساكِنة، أيقظ نشيد الملائكة وبشارتهم "بإشراقة شمس البِرِّ" الرُعاة النيام قرب بيت لحم فهبَّوا دون تردد للانتصار لنداء السلام والمحبة وهرَعوا لنشره على الأرض. والآن ومع تجدُّد تلك الذكرى المجيدة أليسَ مِن الواجب الضميري والأخلاقي والإنساني وقبل أن تُطوى صفحة هذه السَّنَة المليئة بالحوادث والمآسي والفواجع والآلام التي عصفت دون وجه حق بدول عربية شقيقة غالية علينا، وأخص بالذكر سورية التي قُرْبَ أبواب عاصمتها دمشق تحول "شاول الطرسوسي" مِن ساخطٍ حانقٍ مُضْطَهِدٍ لبُشرى الإيمان ونِعمَته إلى رُكنٍ من أركان الكنيسة الأولى لِنشر ملكوت الله ومحبته للأمم والشعوب، أن تهبُّوا ونظرائكم مِن أصحاب القرار في عالمِنا هبَّة رَجُلٍ واحِدٍ لِرَدِّ سهام الشرِّ التي طال أمَدُ تتطايرها من أعداء الحياة وخصوم السلام عليها. وكي تنقذوا منطقتنا من التمزق والضياع.. ينبغي عدم الاكتفاء بشجب أعمال العنف التي تزهق فيها أرواح الأبرياء فحسب، بل اجتثوها بما ملكتم من وسائل وقُدرات قبل أن تقع وفي مهدها، واقطعوا دابر من يتواطأ مع الإثم، وسدوا الدروب على العصبية العمياء، واخْرسوا أصوات المحرضين على الشر. وأناشدكم أخيراً أن تكونوا العُروة الوثقى التي تشد جميع الشعوب بمذاهبها وطوائفها وأجناسها وثقافاتها إلى بعضها البعض.
ماذا سيسجل التاريخ عن هذه المرحلة التي يعتصرنا فيها الألم لما يقع في دول غالية علينا أسهمت إسهاماً يشهد له في بناء الحضارة الإنسانية من سورية إلى العراق إلى مصر إلى ليبيا إلى اليمن إلى تونس؟ وماذا سيقول الأبناء والأحفاد مِن بعد؟ ألْيسَ سيتساءَلون: لِما خلفتم لنا عالماً غير آمِن، ولِما كان هذا الخراب والتدمير، ومن خطط وأمر ونفذ؟ وستبقى تنهدات اليتامى والثكلى والأرامل - الذين محبة وطنهم تسري مع شرايينهم وعِشق ترابه غارز في عِظامهم حتى النخاع - ترتفع لرب السماوات والأرض بعد أن أجهزت قِوى الشَّر أمام بصر العالم بأسرِه على الأب والزوج والابن والمعيل.
فخامة الرئيس، أجِلُّ قَدْرَكُم ومركزَكُم وشخصَكُم. وكل عام وأنتم بخير