كوريا الشمالية وهوس التطهير

لا أحد يستطيع أن يتكهن متى وكيف قد تأتي نهاية النظام في كوريا الشمالية، فقد يأتي زواله عبر انقلاب عسكري أو انقلاب من داخل القصر، أو انتفاضة عمالية أو انتفاضة فلاحين، أو كعاقبة للفشل الاقتصادي أو نتيجة لسخافة وتفاهة الأمر برمته.
ولكن أحد عناصر نهاية أسرة كيم بات مؤكدا: وهو أن الصين سوف تكون قد تخلت عنها.
من الصعب دائما تقييم ما يجري في كوريا الشمالية، التي يبدو الأمر وكأنها تعد انعدام شفافيتها وغموضها كأصل من أصول الأمن القومي إبقاء المراقبين الأجانب في حالة دائمة من التخمين حول حتى القضايا البسيطة مثل التاريخ الدقيق لميلاد الزعيم الحالي كيم جونغ أون.
ولكن لم يكن هناك أي شيء غير شفاف في التطهير المفاجئ والإعدام السريع في وقت سابق من هذا الشهر لجانغ سونج ثيك أو العم جانغ كما تعودت وسائل الإعلام في وصف وصاية كيم ذات يوم.
في اجتماع للمكتب السياسي للحزب اقتاد اثنان من حراس الأمن ذلك المسؤول البيروقراطي الكبير (67 عاما) من مقعده في الصف الأول إلى خارج الغرفة. وفي غضون أيام حوكم وأدين نموذج للكفاءة القضائية.
يقول المثل الآسيوي القديم "اقتل الدجاجة فيخاف القرد". ولكن لماذا تشغل بالك بالدجاجة ما دام بوسعك أن تقتل القرد؟
بعد نفيه مرتين، كان ظهور جانغ باعتباره وصيا على الملك الصبي بمثابة التأكيد على مكانته غير العادية في كوريا الشمالية وقدرته على البقاء رغم كل شيء وأي شخص.
ولكنه كان أقل ظهورا خلال السنة الثانية من ولاية الملك الصبي في السلطة، فبعد أن كنا نراه أثناء أي احتفال لافتتاح أي شيء وقص أي شريط في العام 2012، لم يظهر قط في العام 2013.
وربما كان بوسعنا أن نجد دوافع كيم لتطهير جانغ في أعمال شكسبير. والأمر الواضح هنا هو أن كيم يريد إحكام قبضته على السلطة، ولا يطيق صبرا على أي شخص قد يقترح خلافا لذلك.
والواقع أن خطيئة نقص الولاء بدت مهولة مروعة. ففي كوريا الشمالية قد يكون التصفيق بفتور جريمة عقوبتها الإعدام.
وإذا كان بوسع أي شخص أن يجعل المرء يشعر بالحنين لمحاسن عهد كيم جون إل، فهو ولده كيم جونغ أون.
لا يوجد من الأدلة ما قد يشير إلى أن كيم الصغير صاحب مقولة "دعهم يأكلوا كعكة الشيكولاتة" لديه أدنى اهتمام بالإصلاح أو التخفيف من معاناة أهل كوريا الشمالية.
ولكن جانغ لم يكن إصلاحيا، فبدلا من القلق بشأن الإمدادات الغذائية في البلاد، كان جانغ يتولى مسؤولية توجيه ثروة عائلة كيم عبر متاهة من الحسابات المصرفية في عدة قارات.
وكان معروفا أيضا بمساعدة كيم جونغ إل في خلق طبقة المسؤولين الإداريين، النظام المعقد القائم على المحسوبية، الذي يشكل جزءا لا يتجزأ من الشيوعية، ويضمن ولاء المسؤولين للنظام.
ورغم هذا فإن الرحلات التي قام بها جانغ إلى الصين كثيرا ما كان يستشهد بها باعتبارها دليلا على اهتمامه بالنموذج الصيني في الإصلاح الاقتصادي.
ويبدو هذا أمرا مستبعدا تماما، والأمر الأرجح هو أن اهتمامه بالصين كان يعكس نهجه التدخلي في تمويل النظام، وربما تمويل نفسه شخصيا.
وفي حين تبدأ الصين في معالجة مشاكلها المتعلقة بالشفافية، فلعل من الواجب عليها أن تفحص بعض الصفقات المريبة التي أبرمت مع جانغ وعصبته.
وإذا كان جانغ مفكرا مستنيرا من نوع أو آخر، فلماذا لم نر بعض علامات الإصلاح حتى الآن؟
بعيدا عن تشغيل سوق القطاع الخاص ثم إغلاقها بشكل متكرر في العاصمة بيونغ يانغ، فضلا عن سوق الخضراوات العَرَضية على جوانب الطرق، فإن العلامات التي قد تشير إلى أن كوريا الشمالية ربما تسير في طريق الإصلاح أو أن أي شخص بين الزعامات هناك يسعى إلى الإصلاح (أو كان يسعى إليه في أي وقت) ضئيلة للغاية.
صحيح أن المرء قد يجد هناك فندقا جديدا أو اثنين. فأثناء زيارة لي في خريف العام 2008، نزلت وفريق التفاوض في فندق جديد حديث مملوك ليابانيين (لم نجد هناك أي يابانيين بكل تأكيد)، شاهدت مناظرة بين المرشحين لمنصب نائب الرئيس الأميركي على قناة سي إن إن عبر البث الفضائي، وفي المساء استمتعت بتناول بيرة أوروبية.
وفي أوروبا الشرقية في ثمانينيات القرن العشرين، كانت مثل هذه النوادر والحكايات الطريفة لتفسر باعتبارها مقدمة لتغيير نظامي أشد عمقا، أما في كوريا الشمالية، فقد بدا ذلك أقرب إلى غزوة لنخبة العصابات في البلاد.
لا ينبغي لتطهير جانغ أن يردع المجتمع الدولي عن ممارسة الضغوط من أجل نزع السلاح النووي في كوريا الشمالية.
وينبغي لأولئك الذين يبدون أكثر اهتماما بدحض الحجة الداعمة للتفاوض مقارنة باهتمامهم بنزع سلاح كوريا الشمالية أن يتأملوا حقيقة مفادها أن واقعيتهم المفرطة ساعدت وشجعت نظاما مكرسا لاقتراح يشير إلى أن العالم في نهاية المطاف سوف يستسلم ويتقبل وضعه النووي.
في غياب أي تغيير في كوريا الشمالية، كان من المفهوم أن يسعى أولئك الذين يرفضون قبول شرعية برنامجها لإنتاج الأسلحة النووية إلى طلب المساعدة من الصين.
ورغم أن الصين تحولت نحو سياسة أكثر صرامة في التعامل مع كوريا الشمالية ولو بخطى بطيئة إلى حد الإحباط، فليس هناك من شك أنها تتحرك في ذلك الاتجاه، والقيام برحلة إلى الصين في أعقاب التطهير الوحشي لجانغ يكشف عن بلد يستشعر الحرج ويبدي الاشمئزاز إزاء سلوك كوريا الشمالية.
وعلاوة على ذلك، أصبحت الصين ترى على نحو تدريجي أن ارتياحها إزاء كوريا الشمالية واختلاق الأعذار لصالحها، يشكل عاملا رئيسيا في تحديد الكيفية التي ينظر بها العالم إلى نهضتها، وربما كان ذلك العامل أكثر أهمية حتى من نزاعاتها البحرية التي لا تنتهي مع كل بلدان المنطقة.
ولكن التغيير في الصين يستغرق وقتا طويلا، ولا بد من التغلب على العديد من العادات القديمة.
فلقرون من الزمان كانت سياسة الصين الخارجية تتسم باعتقاد مفاده أن عدو عدوي صديق.
لن يكون ذلك كافيا للتعامل مع كوريا الشمالية، ومن غير الممكن أن يشكل أساسا لعلاقات الصين مع العالم في المستقبل.
والواقع أن الصين لديها مصلحة مباشرة وطويلة الأجل في الالتحاق بعضوية النظام الدولي. وترتبط الكيفية التي تتناول بها مسؤولياتها إزاء كوريا الشمالية ارتباطا وثيقا بتطلعاتها وطموحاتها الأوسع.
( بروجيكت سينديكيت 2013-12-27 )