عام اطفال «الغوطة»

تم نشره الثلاثاء 31st كانون الأوّل / ديسمبر 2013 12:54 صباحاً
عام اطفال «الغوطة»
عبده وازن

لا يمكن تسمية العام 2013 الذي يطوي صفحته الاخيرة، إلا عام الكارثة، عربياً. تكفي مجزرة اطفال الغوطة السورية الذين سقطوا تحت القذائف الكيماوية على مرأى من العالم، لتجعل من هذا العام عام القتل والفتك واللارحمة. بلغ العنف في هذه المجزرة ذروته، ليس كيماوياً فقط بل في حصده اطفالاً هم أشبه بالملائكة، بدوا كأنهم نائمون بعدما سمّم الغاز أرواحهم. هذا المشهد الذي يعود الى الحقب البربرية لم يكن من السهل تصديقه في العام 2013، في مطلع العقد الثاني من الألفية الثالثة. هذه مقتلة يعجز عصرنا عن استيعابها، وإن كان عصر الصورة التي تفوق التصور. لم يحرك قتل هؤلاء سوى غرائز الغرب «الامبراطوري» وردود فعل ابطاله الاستعراضيين. وغدا مشهد «الاستنفار» الاميركي الذي اعقب المجزرة شبيهاً بـ «حرب النجوم» في سينما الخيال العلمي. لم يكن الغرب يحتاج الى من يدينه على صمته المتواطئ وأعذاره الواهية، دان هو نفسه وفضح نزعته الجرمية الخفية أو المضمرة. لكنّ هذا الغرب «الانساني» لم يقصّر في 2013 في تكريم الفتاة الباكستانية ملالا التي تعرضت للاعتداء على أيدي الطالبانيين ورشحها لجائزة نوبل للسلام. كرّمها الغرب أمام الكاميرات مُظهراً تعاطفه معها ومع الطفولة المعذبة في العالم الثالث. لكنه لم يحفل إلا ظاهراً بأطفال الغوطة السورية بعدما وجد نفسه محرجاً امام نفسه والآخرين.

لم يكن هذا العام الذي يلفظ أنفاسة الاخيرة، سعيداً البتة في الروزنامة العربية. عام هو صورة عن العامين الاخيرين اللذين مضيا من عمر «الربيع» العربي، هذا الربيع الذي ما زال يجاهد للحفاظ على طلاقته في وجه هواء الخريف الذي يهب عليه. عام قلق واضطراب وحيرة. عام انتظار و «تشاؤل» - وفق مقولة الروائي الفلسطيني اميل حبيبي - في مصر وتونس وليبيا واليمن... عام يأس وتشاؤم في العراق وفي سورية، في سورية خصوصاً. عام النازحين والمتشردين في الداخل وعلى الحدود وفي البلدان المجاورة. عام المخيمات الطارئة والخيم والاكواخ... تضم مواطنين سوريين يختبرون معنى ان يكونوا لاجئين بعدما هجّرهم النظام من مدنهم وقراهم وأحيائهم وحقولهم... إنهم اللاجئون الجدد الذين ادخلهم النظام السوري تاريخ التهجير الجديد. يعيشون لأنهم لم يموتوا، بل لأن الموت بدا أرحم من الحياة في ظل القصف والبراميل التي تتساقط من طائرات «العدو» الذي ليس اسرائيلياً هذه المرة. أطفال يموتون في الصقيع تحت انظار امهاتهم، عائلات تلمحها في لبنان والاردن تحت الجسور، وسط الخرائب تبحث عن رمق حياة. بات هؤلاء منسيين، محذوفين من اللوائح، مجردين من مواطنيتهم ومن كل حقوقهم التي تنص بها بشريتهم التي تكاد تمسخها سخرية قدرهم.

ماذا يعني انقـضـاء عام وحلول عام فـي «حـساب» المشردين هـؤلاء؟ مـاذا يعـنـي لـهم، هـؤلاء الـمعـذبيـن، معذبي النظام الـسـوري، هؤلاء النازحين والمشردين والتائهين والجائعين، ان يودع العالم عاماً ويحتفل بقدوم عام؟ لا شيء، حتماً لا شيء. بل قد يعني لهم المزيد من القهر والـبؤس والجوع... المـزيد من التجاهل والإهمال واللامبالاة.

حيال انصرام عام 2013 لا يمكن أحداً ألاّ يتذكر اطفال الغوطة الذين قتلتهم القذائف الكيماوية، حتى القتلة انفسهم لا يمكنهم ان ينسوهم. هذا المشهد يجب ان يكون «حدث» العام بصفته المجزرة البربرية التي نادراً ما بات العالم، عالمنا والعالم الاول، يشهد ما يماثلها. هؤلاء الاطفال الذين ماتوا بهدوء تام ومن غير نقطة دم، نزولاً عند رغبة السفاحين «الانسانيين»، يستحقون فعلاً أن يكونوا أيقونة هذا العام، ايقونته المقدسة.

( الحياة اللندنية 2013-12-31 )



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات