من الفساد والاستبداد إلى الفوضى الخلاقة

احتار أحد محرري الإيكونومست في اختيار أنجح دولة في عام 2013 بين جنوب السودان وتركيا وإيرلندا. فجنوب السـودان سيحقق نمواً اقتصادياً بمعدل 30% في سنة 2013، وإيرلندا استردت عافيتها بعد أن تم إنقاذها بصعوبة من قبل الاتحاد الأوروبي، وتركيا التي نجح رئيس وزرائها رجب طيب أردوغان في تقديم نموذج للحكم يجمع بين ما كان يعتبر من المتناقضات: الدين والديمقراطية والتنمية الاقتصادية.

هذا التحليل لا بد أن يكون قد ُكتب قبل شهر من نهاية السنة على اعتبار أن الشهر الأخير لن يشهد مفاجآت، ولن يغير هذه الأحكام. ولكن النتائج كانت كارثية: جنوب السودان لن ينمو بنسبة 30% كما كان متوقعاً بل دخل في حرب أهلية مدمرة. والرئيس (المبدع) في تركيا يسقط في حفرة الفساد ويثور عليه شعبه ويطالبه بالاستقالة مع أنه كان ُيعد نفسه لمنصب رئيس الجمهورية المنتخب.

ما أصعب التنبؤات السياسية والاقتصادية في عالم ديناميكي متغير، فالأمور يمكن أن تنقلب بسرعة من حال إلى حال. وما أسهل حدوث أو إحداث التغيير بهذا الاتجاه أو ذاك إذا توفرت الإرادة.

الربيع العربي كان يبشر بالحرية والديمقراطية، والالتحاق بركب الأمم المتقدمة، والانتماء إلى العصر، ولكنه بدلاً من ذلك أنتج الدمار والخراب. وانظر لما يحدث اليوم في سوريا وليبيا واليمن ومصر من حرب أهلية ودمار اقتصادي.

قبل الربيع العربي كانت الأنظمة العربية فاسدة ومستبدة، فأسقطها الربيع العربي، ولكن حلت محلها الفوضى والصراع الداخلي. وبدلاً من الانتماء الوطني للدولة والانتماء القومي للأمة، صار الولاء للهويات الفرعية: سني وشيعي، ديني وعلماني، مسلم ومسيحي، علوي ودرزي، وتم التخلي عن الوطنية لحساب الطائفية والجهوية والعشائرية.

هذه هي الفوضى الخلاقة في منطقة الشرق الأوسط التي قال بها وسعت إليها أميركا في عهد الرئيس السابق جورج بوش، وقمنا نحن للأسف بتطبيقها في عملية يمكن وصفها تحت باب الانتحار الذاتي، وبذلك فعلنا بأنفسنا ما لم يستطع العدو أن يفعل بنا.

ماذا تريد إسرائيل أكثر من هذا؟ يقول محلل إسرائيلي: كنا نخاف من قوة الدول العربية (لأنها تهدد إسرائيل)، ولكنا نخاف اليوم من ضعف الدول العربية (لأنه يوفر البيئة المناسبة لتفريخ الإرهاب).

( الرأي 2014-01-01 )