الاستفتاء ولحظة الانفجار

يراهن قادة الانقلاب على الاستفتاء على التعديلات الدستورية يوم 14 و15 يناير من أجل الحصول على الشعبية التي يستطيعون بها مواجهة الثورة الشعبية الرافضة لهذا الانقلاب. حيث يعتبر هؤلاء القادة أن الاستفتاء في حال تم تمريره سيكون بمثابة تفويض لمرحلة جديدة من القمع الشديد للثورة، فضلا عن مواجهة الانتقادات الخارجية المتزايدة التي ترى أن الشعبية المؤيدة للجيش في تناقص مستمر.
ولذلك يبذل الانقلاب جهودا مضنية على كافة المستويات من أجل الوصول إلى هذا التاريخ وهو يمتلك وضعا مريحا نسبيا، حيث يسعى من الناحية الإعلامية إلى حشد المواطنين المؤيدين للانقلاب للنزول للاستفتاء وتصويرهم بشكل مضخم مماثل لما حدث في 30 يونيو للادعاء أن الملايين من المصريين يؤيدون الدستور الجديد، وبالتالي يؤيدون الجيش ودوره المتزايد في الحياة السياسية الذي سيصبح وفقا لهذا الدستور حاسما.
ومن الناحية الأمنية يسعى الانقلابيون إلى حسم المواجهات مع الثوار في هذه الأيام لتقليل التظاهرات التي تنوي الخروج في أيام الاستفتاء إلى أقل عدد ممكن حتى لا تظهر الأمور أمام الرأي العام العالمي وكأن أغلبية الشعب غير موافقة على الدستور، خاصة وأن هناك دعوات ثورية تدعو ليس فقط إلى مقاطعة الاستفتاء والتظاهر ضده، ولكن أيضا إلى اقتحام مقرات اللجان وحرق صناديق الاقتراع، لتوصيل رسالة للعالم مفادها أن الشعب ضد هذا الدستور.
ولذلك قام الانقلابيون بإعلان جماعة الإخوان جماعة إرهابية، بعد تفعيل قانون الإرهاب، والذي يفرض عقوبات غير مسبوقة على المتظاهرين تشمل السجن خمس سنوات لمن يحمل علامة رابعة العدوية و25 عاما لمن يخرج في المظاهرات والإعدام لمن ينتمي لجماعة الإخوان.
لكن الأمور تجري دائما بعكس ما يخطط له قادة الانقلاب، وذلك بسبب التحول الخطير الذي حدث في المشهد السياسي بعد ارتكابهم لمذابح مروعة غير مسبوقة في التاريخ المصري. وهي المذابح التي أدت إلى إنهاء كل الحلول السياسية، وكذلك خلق بيئة جديدة لدى المتظاهرين يختفي فيها الخوف من الموت، ويرتفع فيها الاستعداد لنيل الشهادة مقابل إنهاء هذا الانقلاب.
ومن ثم لم تؤد كل القوانين التي تم وضعها لمواجهة الثوار ثم التصعيد الأمني بإطلاق النار مباشرة عليهم، سوى إلى تزايد المتظاهرين، وتزايد تحديهم لقوات الأمن من الشرطة والجيش، وكسر حالة السلمية السلبية التي كانت تقتضي عدم الرد على تلك الجرائم ضدهم، حيث بدأت المسيرات في مواجهة اعتداءات الأمن بالصمود وعدم فض التظاهرة رغم إطلاق النيران عليها وحرق سيارات الجيش والشرطة. وهو ما يمهد للتصعيد نحو تطورات أكثر حدة يمكن فيها حرق مقرات الشرطة وإجبار الجيش على العودة إلى ثكناته.
وهذه التطورات سوف تتزايد بشكل كبير مع قرب الاستفتاء على الدستور، خاصة، وأن قوات الجيش والشرطة غير قادرة على توفير الحماية الأمنية الكاملة للجان وفي نفس الوقت المؤسسات المهمة في الدولة بما فيها مقراتهم.
فكما هو معلوم فإن هناك 54 مليون ناخب و54 ألف صندوق في لجنة انتخابية فرعية بواقع ألف صوت لكل لجنة وحوالي 5 آلاف لجنة عامة. ولو أن كل لجنة تحتاج حوالي 20 جنديا وضابط جيش وشرطة ، فإن تأمين الاستفتاء يحتاج حوالي مليون و200 ألف عنصر أمن، وهو تقريبا عدد عناصر الجيش والشرطة مجتمعين.
وهذا لا يشمل ما يحتاجه من عناصر لتأمين المؤسسات وإغلاق الميادين والحدود والمرافق وتأمين المعسكرات والأقسام والمديريات والوزارات والبنوك والكنائس والمطارات والموانئ وغير ذلك. وهو ما يعني أنه لا يستطيع توفير كل العناصر الأمنية للاستفتاء الذي سيصبح عرضة للثوار يفعلون بلجانه ما يشاءون، فضلا عن قدرتهم على السيطرة على الميادين والاعتصام فيها وهي نقطة محورية في الصراع مع الانقلاب، سيترتب عليها دخول فئات جديدة للثوار تخاف من النزول الآن، لكن مع تشتت قوات الانقلاب وانهيارها أمام الثوار سيدفعهم للنزول، وحينها لن يكون أمام قوات الانقلاب سوى استخدام كل الأسلحة التي يملكونها من طائرات ودبابات كما فعلوا يوم 6 أكتوبر الماضي ولكن هذه المرة بكثافة غير مسبوقة. وهو ما سيؤدي إلى الوصول إلى لحظة الانفجار التي ستستغلها قوات من الجيش تسعى للانشقاق ولكنها تريد ظهيرا شعبيا يؤمنها.
( الشرق 4/1/2014 )