العقوبات الرادعة جزء من الحل

العنف الذي يضرب في الجامعات وفي كل مكان، أخذ بالانتشار بطريقة أكثر اتساعاً وشمولاً، وأخذ يتطور نحو أشكال أكثر خطورة وأساليب أشد ضرراً، مثل استخدام الأسلحة النارية، بعد استخدام الأيدي والحجارة والأسلحة البيضاء، مما يقتضي اللجوء إلى حلول حاسمة وسريعة تتمحور حول العقوبات الرادعة.
هناك مبررات وأسباب وعوامل كثيرة أدت إلى هذه الظاهرة، تم الإسهاب بسردها وشرحها عبر الندوات والمؤتمرات الكثيرة التي عقدت لهذه الغاية، وهناك أبحاث وأوراق عمل، ومقالات ومعالجات فكرية كثيرة كذلك، ولكن كل ذلك لا يغني عن المبادرة والشروع بالمعالجة عبر منظومة من الأساليب والوسائل المتنوعة، التي تجمع بين البحث والفكر من جانب، والعقوبة الرادعة والحسم في التعامل من جانب آخر، بحيث يتم الحرص على إظهار أعلى درجات الجدية والإهتمام من كل دوائر المسؤولية وأصحاب القرار.
عندما تشكلت هذه الحكومة كان الخطاب الشعبي المبكر يحمل دلالات الاستعجال من أول يوم تحت عنوان: (الجامعات يا دولة الرئيس). وإن ما حدث في جامعة العلوم الإسلامية قبل يومين، يؤكد بما لا يدع مجالاً للجدل أن ما تم من معالجات لم ترقى إلى مستوى الجدية المطلوب، مما زال هناك من يتجرأ على الانخراط في المشاجرات والقيام بالتحشيد داخل وخارج الجامعة، وهناك من يتجرأ على استخدام السلاح وإطلاق النار!!
الخطوة الأولى على صعيد المعالجة تتمثل بالبدء بالإسعاف الفوري وتضميد الجرح ووقف النزيف، من خلال تشكيل لجان تحقيق نزيهة على مستوى كل جامعة، تضم شخصيات يشهد لها بالصرامة والحيادية والنزاهة ومبرأة من الهوى والانحياز، من أجل الإمساك بالمتسببين بالعنف والمنخرطين فيه والمتواطئين معه، ومعرفتهم بدقة، ومن ثم إنزال عقوبات مشددة بهم تجمع بين اتجاهين:
الاتجاه الأول: الفصل النهائي من الجامعة، وعدم قبوله في كل الجامعات الحكومية والخاصة، لأن المتورط في أحداث العنف، والذي يقدم على استخدام السلاح لا يصلح أن يكون في المسار الأكاديمي، ويمثل عبئاً على التعليم والثقافة والفكر، وينبغي عدم التهاون في إجراء عمليات الغربلة والتصفية.
الاتجاه الثاني: ينبغي إيقاع عقوبات أخرى على الجناة مثل السجن بضع سنوات، المصحوبة بالشغل والخدمة في أعمال محددة تحت إشراف الجيش والأمن.
إن عنصر الردع في هذه المعالجة مهم وضروري، وأعتقد أن انتشار هذه الظاهرة بزيادة ملحوظة يدل دلالة قاطعة على فقدان عنصر الردع، ومن المعروف في الفقه الجنائي عامة وفي الفقه الجنائي الإسلامي أن العقوبة تحمل معنى الردع بوضوح وصرامة تجاه أولئك الذين يدمنون على المخالفة والتمرد، وعدم الانصياع للقانون، والتجرؤ على الاعتداء على الحق العام والمصلحة العامة.
أما الأمر الآخر في هذا الجانب فيتمثل بإيجاد ثقافة مجتمعية عميقة تحارب هذا اللون من السلوك العدواني في المجتمع، وتحارب ظاهرة التسرع في استخدام اليد والسلاح في حل المشاكل الاجتماعية، وهنا لابد من الإشارة نحو ظارهة المحسوبية التي تفخمت في مجتمعنا بشكل لافت رغم اتساع التعليم إلى أرقام قياسية.
القبلية والعشائرية موجودة في كل البلدان العربية والإسلامية والأفريقية، فهي ليست سمة خاصة بالمجتمع الأردني، ولذلك يجب عدم تحميل مشاكلنا كلها على مشجب القبلية والعشائرية، بل أعتقد أن القبائل والعشائر جزء من الحل قبل أن تكون جزء من المشكلة، ولذلك لابد من الشروع في إيجاد ميثاق عشائري وطني، يحرم ظاهرة العنف الإجتماعي في كل مكان، ويعزم على محاربتها واستئصالها من خلال إرساء ثقافة عشائرية أصيلة لا تحمي المخالف والمعتدي، ولا تشكل غطاءً لأصحاب السوابق، وفي هذا الصدد ينبغي لكل الذين يحتلون مواقع متقدمة في سلم المسؤولية، أن يضربوا المثل والنموذج في التقدم نحو إنقاذ مجتمعهم بعدم التورط في التوسط لحماية الأقرباء والمحاسيب إذا كانوا متورطين في مثل هذه القضايا، وعلى الأجهزة الأمنية كذلك أن يكون لها دور إيجابي في علاج هذه الظاهرة، من خلال المساعدة على التحقق من المعلومات ودقتها، من أجل الدفع نحو إرساء العدالة وتجنب الوقوع بالظلم، وعدم اقتصار العقوبة على الذين لا ظهر لهم ولا حماية!!
( الدستور 2014-01-05 )