تحصين الجندي الإسرائيلي
لا تنفك وزارة الدفاع الإسرائيلية، والمؤسسات الأمنية والإدارية والإنسانية المختلفة عن التفكير في مختلف الوسائل والسبل، التي من شأنها حماية الجندي الإسرائيلي، وتطمينه ورفع روحه المعنوية، والتأكيد له أنه محمي ومحصن، وأنه يصعب اختطافه أو أسره، وأن قيادته العسكرية تتابعه أينما كان، وتكون إلى جانبه في وحدته العسكرية، وأثناء مهامه القتالية، أو خلال عمليات الجيش الاعتيادية، فهي لا تتخلى عنه، ولا تبتعد عنه، وتبقى دوماً قريبةً منه، وتشعره بأنها قريبة، وتتواصل معه، وتتلقى منه الاتصالات والرسائل والصور، وتنقل إليه التعليمات والتوجيهات، وتتقدم إليه بالنصائح والارشادات، وتعجل له بالتحذيرات والتنبيهات.
ولهذا تتعاقد المؤسسات الأمنية والعسكرية الإسرائيلية مع كبريات الشركات الدولية، لتزويدها بأجهزة حساسة جداً، تمكنها من مراقبة جنودها ومتابعتهم، وتحديد أماكنهم، ومعرفة اتجاهات سيرهم، وتحديد درجة الخطورة ومستوى الأمن الذي يحيط بهم، وفي الوقته نفسه تقوم بتدريب جنودها وتأهيلهم، وتطلعهم على طبيعة هذه التقنية العالية، التي من شأنها أن ترفع الروح المعنوية للجنود، وتمنحهم المزيد من الثقة بقيادتهم، وتدفعهم نحو بذل المزيد من الجهد، والتقدم ببسالة وشجاعةٍ، والانعتاق من الخوف والتردد، في ظل الاحساس أن نسبة المغامرة محدودة، وأن احتمالية الإنقاذ دوماً عالية، وأن فرق التدخل السريع جاهزة وحاضرة وقريبة في الميدان.
تزود قيادة الجيش الإسرائيلي جنودها بأجهزة تتبع وتحديد المكان، (GPRS)، وهي على هيئة شرائح دقيقة جداً، قد تكون على هيئة سلسلة تعلق في العنق، أو على شكل ساعة تشد على الرسغ، بحيث تبقى دائماً ملاصقة للجندي، وترافقه أينما ذهب، وتعمل فوق الأرض وتحتها.
كما تدور أبحاثٌ علمية عن مدى إمكانية زرع هذا النوع من الشرائح تحت الجلد، بحيث يكون كل جندي مزوداً بشريحة خاصة، تحمل رقمه، وتستطيع أن تنقل من الميدان إلى القاعدة مختلف البيانات المتعلقة بالمكان، وربما يتطور الأمر لحساب الحالة النفسية للجندي، من خلال احتساب ومراقبة دقات القلب، واضطراب الأعضاء الداخلية، وسرعة الأنفاس، ودرجة التعرق، ومستوى الافرازات ونوعها، وغير ذلك من المجسات البيولوجية التي تساعد على فهم طبيعة وحالة الجندي في الميدان.
ولا تكتفي المؤسسة العسكرية الإسرائيلية بربط الجندي إليكترونياً بقاعدته، وإنما تحاول أن يقوم الجندي من خلال الشرائح المختلفة التي يحملها، بنقل معلوماتٍ مختلفة عن غيره، وعن الوسط المحيط به، فضلاً عن المعلومات الخاصة به، ليساهم بدوره في تحقيق الأمن لغيره من الجنود، ولعلها بذلك تحاول أن توجد حالة أمنية تضامنية مشتركة بين جنودها، وتأكيد أن الأمن حالةٌ عامة وليست خاصة، وأنها تتحقق بالمجموع قبل تحققها بالفرد.
وكشفت شركة متورولا العملاقة، وهي الشركة الأولى في عالم الاتصالات وتقنيات التواصل، والتي ترتبط بعلاقاتٍ وثيقة وقديمة مع الحركة الصهيونية، وتتبرع لها سنوياً بأموالٍ طائلة، وتتعاون معها في مجال أبحاث الفضاء، وتقنيات الاتصال والتجسس، أنها تخطط لتزويد الجيش الإسرائيلي بأجهزة اتصال خلوية حديثة جداً، تقوم بمهامٍ متعددة، وتحقق أعلى درجة من الطمأنينة والاحساس بالأمن لدى الجندي الإسرائيلي أينما كان.
وتدعي الشركة أن أجهزتها تتمتع بدرجة عالية جداً من السرية، فهي تعمل بالبصمة الصوتية، وببصمة العين التي لا تتشابه، ما يعني أن مستخدمها شخصٌ واحدٌ أبداً، فلا يمكن لغيره أن يستخدمها، أو يدخل إليها، أو يحاول فك شيفراتها، والتعرف على أسرارها.
وتستطيع هذه الأجهزة نقل كمياتٍ كبيرة من الرسائل والصور، وحزم المعلومات المختلفة بسرعةٍ كبيرة، وبصورة مشفرة، ويمكنها العمل من ميدان المعركة، والاتصال بالقواعد والمحطات في ظل الظروف السيئة، ومحاولات التشويه والتعتيم التي قد يقوم بها الطرف الآخر، لتعطيل الأجهزة أو عزلها عن محطاتها، وهي تعمل وفق نظام GPRS الحديث، الذي يعمل بتقنية الانترنت، ويستطيع الارتباط بالأقمار الاصطناعية والتواصل معها، بعيداً عن محاولات التشويه والتعطيل.
مما لا شك فيه أن العدو الإسرائيلي يفكر ليل نهار في مختلف السبل لحماية جنوده، وتحقيق السلامة لهم في الميدان، وخلال العمليات القتالية التي ينتدبون لها، وهي تعلم أنها في الحرب الإليكترونية سباقة ومتقدمة، وأن عدوها لا يقوى على مباراتها أو منافستها، ولا يستطيع إدراكها أو اللحاق بها، كما أنه يعجز عن مواجهتها وإبطال فاعلية وقوة آلياتها الدقيقة المتطورة، في الوقت الذي تمتنع فيه كبرى الشركات العالمية المتقدمة في هذا المجال، عن تزويد الأطراف الأخرى بهذه التقنية، أو تعريفها عليها، أو تمكينها من مواجهتها والتصدي لها بتقنية معارضة.
ولكن ترى هل تستطيع كل هذه الدعائم والسند، أن تخلق للجندي الإسرائيلي المهزوز قوائم من خشب، وهو المشهود له بالجبن والخوف والتردد، فتمكنه من الصمود بباطله أمام الحق، والثبات بسلاحه أمام العزيمة، والاستمرار في اعتداءاته أمام الثقة والصبر والأمل واليقين.