أميركا وإيران... والبصارات!

هي أغرب الغرائب مع ان اي شيء طارئ لم يعد يهز في اللبنانيين الشعور بالاستغراب أن نرى في عصر الارهاب العاصف فينا اجهزة الاستخبارات الدولية والاقليمية تستلهم من عندنا انماط العرافين والمبصرين. ما كاد اللبنانيون يفرغون من تقويمات الثرثرة التي ملأت ليالي رأس السنة حتى انبرت لهم "نشرات" الشؤم المحمول مع النصائح للرعايا الخليجية والاميركية متشددة في التحسب للهجمات الارهابية. وزادت النشرات الاميركية تحديدا أفضالها بتحديد خرائط الخطر في التجمعات ومراكز التسوق، واكثر تحديدا في الاسبوعين الاولين من الشهر الجاري. وسرعان ما برزت معالم الانفتاح الاميركي - الايراني، فمدت وكالة "فارس" الايرانية يدها لتنبئنا هي الاخرى بايضاح مشؤوم في شأن اسبوعين دمويين قبل جنيف - ٢ حصرا.
عاش اللبنانيون ولا يزالون يتعايشون مع ضروب الغرائب الدولية والاقليمية لكنهم مرة لم يعاينوا اجهزة استخبارات موصوفة او مستترة تقلد العرافات. وتبعا لذلك تراهم يتساءلون لماذا هذه الاجهزة ايضا لا تفرغ بما لديها من معلومات وأرصدة ثمينة للدولة اللبنانية بدل التطوع بهذا النمط التشهيري العلني للتوقعات والنبؤات؟ اذا صح ان توقيف "الامير" الراحل ماجد الماجد كان بناء على وشاية غربية فلم لا تتسع هذه الوشايات الحميدة تحسبا لهذين الاسبوعين وما بعدهما بالطرق الاستخباراتية المعتادة، اسوة على الاقل بالقنوات الديبلوماسية المتعارف عليها بين الدول؟
ثم ان من حق اللبنانيين ان يتساءلوا عن سر هذا الالتحاق الايراني الفوري بالتحذيرات الاميركية من الويلات المحدقة بلبنان ولكن من دون ان تتكبد الجمهورية الاسلامية عناء نصح رعاياها بعدم السفر الى لبنان او بتجنب التجمعات السياحية والتسويقية. هي تساؤلات مقرونة ببعض السذاجة او بكثيرها وسط رؤية اميركا وايران ومعهما اكثر من دولة تنخرط جميعا في الحرب في سوريا فيما تتقاطع فجأة، وجميعها، في الحرب الناشئة على الدولة الداعشية الزاحفة من العراق الى لبنان مرورا بسوريا. اسرار لا قدرة لنا ولا لسوانا على الارجح في فك طلاسمها الآن ولكننا لا نملك الا ان نتساءل الآن ايضا لماذا عارضت معظم الدول قبل اشهر الضربة الاميركية لسوريا ما دامت تتولى جميعها الآن انهاك كل المنخرطين والمتورطين في الحرب بطريقة المطحنة الساحقة الجهنمية؟ هل استبدلت أولوية الملف الايراني بالملف السوري مع فارق أن عشرات الالوف "يجب" ان يقتلوا ويسحلوا قبل حسم الازمة السورية؟
أسئلة لا يقوى احد على الاجابة عنها ما دامت المصالح الدولية تملي الاستسلام والانصياع والتصديق الاعمى كمثل الخوف رعبا امام زحف تكهنات ترشح لبنان لمزيد من الاستباحة الارهابية الموعودة. والانكى ان يحل بنا كما سبق ان فعلها المنجمون!
( النهار اللبنانية 2014-01-08 )