فرس أسوان

تم نشره الجمعة 10 كانون الثّاني / يناير 2014 12:43 صباحاً
فرس أسوان
سمير عطا الله

عرضت «العربية» في برنامج «مهمة خاصة» يوميات رجل من أسوان يملك إلى العيش سبيلا واحدا: فرسا يؤجرها للسياح. بدت الفرس جميلة ونظيفة ونشيطة، رغم كل مظاهر الفقر الأخرى. بيت محفور في الطوب مثل أيام سكان أسوان الأوائل، وغسيل منشور على حبل قصير في الخارج، وصاحب الفرس والبيت والثياب المعلقة، لا يملك سوى الجلابية الداكنة التي كان يرتديها أحمد فؤاد نجم. داكنة لأنها تتحمل البقاء طويلا دون أن ترسل إلى المصبغة. (أمزح طبعا). أصحاب مثل هذه الجلابيات يغسلونها في الترع ويعلقونها تنشف أمام بيوت الطوب.

تحدث الرجل صاحب الفرس الجميلة والجلابية الداكنة فقال، إن الفرس هي كل حياته وحياة عائلته ومصدر دخلهم الوحيد. شخرت الفرس كأنها تؤكد على كلامه وعلى شكواه. قال الرجل إن الذين قتلوا السياحة في مصر زادوه فقرا وأمعنوا في إذلاله. لا أحد في المكان. لا غرباء. الجميع خائفون. الذين كانوا يأتون إلى مصر بعشرات الآلاف جاءوا يشاهدون طلاب «الإخوان» في الأزهر يطلقون النار على الشرطة. من يريد المجيء إلى مصر؟!

قتل المتشددون السياحة في مصر وقتلوا معيشة الآلاف من أمثال الرجل ذي الجلابية الداكنة صاحب الفرس. أرسل محمد مرسي إلى الأقصر محافظا تقوم فلسفته في الحياة على أن الآثار عيب، والسياحة عار، وثروة مصر التاريخية يجب أن تدفن تحت الرمال حيث كانت.

نظريا، هذا كلام قابل للنقاش. فمهما كان الجهل مغلقا يظل هناك أمل بأن يفيق ذات يوم. لكن عمليا، هناك ثروة هائلة تذر في الرمال. والضحايا ليسوا فقط أصحاب الفنادق الفخمة والمراكب السعيدة، بل الشعب الكثير الذي مثل صاحب الجلابية والفرس. إذا طال غياب السياحة في مصر يصبح صعبا أن تعيش من جديد. تلغى عن خرائط الرحلات وتعتاد الناس على أماكن أخرى.

كانت بورسعيد، في القرن الماضي، المدخل إلى الشرق وبوابة ألف ليلة وليلة. ميناء يعج بالناس وبالمرتزقين من القادمين. ثم تطور السفر جوا فضعفت بورسعيد حتى غابت. لم تعد على خريطة أحد. الذين يعرفونها نسوها والذين لا يعرفونها لم تعد هناك حاجة لأن يفعلوا.

النسيان ظلم. كان وسط بيروت يعج بالناس مثل بورسعيد إلى أن حولوه إلى ساحة اعتصام. هجرته الناس إلى أماكن أخرى. صار «وسط» بيروت في أحياء بعيدة. هو اليوم مهجور مثل أسوان، أو أكثر، والخاسرون هم أصحاب الفنادق. ولكن أيضا بسطاء الجلابيات، والمساكين الذين لا تعرفهم.

( الشرق الاوسط 2014-01-10 )



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات