الدفع إلى اشتهاء... شارون!

تم نشره الأربعاء 15 كانون الثّاني / يناير 2014 12:44 صباحاً
الدفع إلى اشتهاء... شارون!
حازم صاغية

لكل واحد من الشعوب العربية المحيطة بإسرائيل ذاكرته الأليمة مع أرييل شارون، وزير دفاع إسرائيل ثم رئيس حكومتها الذي توفي قبل أيام. ففضلاً عن الفلسطينيين الذين لا يمكن أن ينسوه، يذكره الأردنيون في قبية في 1953، ويذكره المصريون في جميع مواجهاتهم مع الدولة العبرية التي امتدت من حرب السويس في 1956 إلى حرب الاستنزاف في 1968 فحرب تشرين الأول (أكتوبر) 1973. لكن اللبنانيين، ومعهم بالطبع الفلسطينيون، يذكرونه بحدة أكبر تبعاً لدوره في غزو لبنان عام 1982.

والحدة هذه ليست ناجمة فحسب عن أن جيشه دخل، بدخوله بيروت، أول عاصمة عربية، أو عن إشرافه على مجزرة صبرا وشاتيلا التي أودت بما يتراوح بين 800 و1000 ضحية من المدنيين بعد ترحيل مسلحيهم، ما أضاف النذالة إلى الهمجية.

أغلب الظن أن تلك الحدة مصدرها كامن في داخلية الأثر الشاروني على لبنان قياساً بخارجيته في الأردن ومصر. فالشارونية، في لبنان، كانت حدثاً اجتماعياً ومجتمعياً، إلا أنها ظلت، في الأردن ومصر، حدثاً عسكرياً وتقنياً.

سبب ذلك أن ما فعله شارون بلبنان وفلسطينييه جاء لاحقاً لحرب أهلية سبق أن انفجرت قبل سبع سنوات، تخللتها أعمال قتل همجية مارسها لبنانيون بحق لبنانيين ولبنانيون بحق فلسطينيين وفلسطينيون بحق لبنانيين. ثم إن فعلة شارون هي ما تأدّى عنها انتخاب رئيس للجمهورية هو بشير الجميل، الذي لم يكن وجهاً قليل الشعبية لدى شطر واسع من اللبنانيين. أما إشرافه على مجزرة صبرا وشاتيلا فكان مشروطاً بوجود لبنانيين مستعدين أن ينفذوا المجزرة بأيديهم. وفي الحالات جميعاً، لم يكونوا قلةً أولئك المسيحيون والشيعة الذين اعتبروا، تبعاً لأحقاد الحرب الأهلية - الإقليمية، أن الاجتياح الإسرائيلي خلاص من سلطان فلسطيني - سوري جائر. وهذا كله ما لم يتوافر مثله لشارون في مصر والأردن.

ونفاذ الشارونية إلى الصلب اللبناني العميق أكثر ما يستوقف في ذاك التاريخ المُر. ففضلاً عن الوقائع السابقة على 1982، والتي غُلت بعدها يد شارون، تلاحقت الوقائع التي لا تقل شارونيةً على أيدٍ لبنانية وسورية كان حافظ الأسد المشرف على عملها. هكذا اندلعت حربا طرابلس والمخيمات اللتان فاقتا في القسوة والفتك القسوة والفتك اللذين تعرض لهما صبرا وشاتيلا. وقبل أن تهدأ حروب الجبل وشرق صيدا بين مسيحيين وغير مسيحيين، اندلعت حروب أخرى بين مسيحيين ومسيحيين، وبين شيعة وشيعة، فيما انشطرت الحكومة حكومتين. وحين رضخ لبنان كله للوصاية السورية، جيء بالمنفذ المباشر لمجزرة المخيمين وزيراً وقطباً سياسياً. فذاك الذي أهله شارون عسكرياً وأمنياً، هو نفسه من تولى الأسد تأهيله سياسياً كما لو أن الأمر مكافأة متأخرة.

وقصارى القول إن بلداً على هذه الدرجة من التفتت، السابق على شارون واللاحق على الأسد، كان من مصلحته، منذ البداية، أن يصد عنه القضايا «المصيرية» التي تؤدي إلى استيراده شارون والأسد ومعهما الاحتلالات والإذلالات من كل صنف، فضلاً عن توسيع الفجوة، وهي ضخمة أصلاً، بين اللبنانيين أنفسهم. فتركيب لبنان الذي لا يحيد نفسه عن الصراعات الكبرى، أي عن مفاقمة الانقسام بين بنيه، تركيب جالب لشارون وللأسد ولكل الكوارث التي تصحبهما.

وفي المعنى هذا، يصح القول إن «حزب الله»، ومن طريق المقاومة، لا يعدو كونه استدعاء دائماً لكل شارون ولكل أسد، وصولاً إلى كل خامنئي. وهذا، بدوره، ما يولد التضخيم الدائم لكل تناقض بين اللبنانيين ولكل شعور بالأذى والمهانة والضغينة تتبادلها الأطراف المحلية في ما بينها.

( الحياة اللندنية 2014-01-15 )



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات