هتلر يكتسح أوروبا من جديد!

تم نشره السبت 18 كانون الثّاني / يناير 2014 01:37 صباحاً
هتلر يكتسح أوروبا من جديد!
حسن توفيق

خلال مراحل التكوين الفكري والثقافي المبكرة، يحلم الشاب الصغير بأن يحقق ما لم يحققه الآخرون ممن سبقوه، وهذا ما أشار إليه أبو العلاء المعري حين قال مباهيا ومتفاخرا: وإني وإنْ كنت الأخيرَ زمانُه- لآتٍ بما لمْ تستطعه الأوائلُ، ويظل هذا الشاب الصغير يحلم على قدر طموحاته المتوثبة والزاخرة بالعنفوان، إلى أن يقنع شيئا فشيئا بما استطاع أن يصل إليه، خصوصا حين تكون طموحاته أكبر من قدراته وإمكانياته، وهذا الذي أقوله يدفعني لأن أضحك الآن من نفسي، حين أتذكر أني- على صعيد الاهتمامات السياسية خلال المرحلة الثانوية- كنت أجمع بين متناقضات، متصورا أن بإمكاني المزج بينها أو صهرها في بوتقة واحدة، ليتشكل منها مزيج جديد وفريد، حيث كنت معجبا- في آن واحد – بكل من أدولف هتلر وفلاديمير إيليتش لينين والمهاتما غاندي؟!..

إنها مرحلة العبث مع الأمواج قرب الشاطئ قبل أن يتعلم الإنسان السباحة، ثم يحدد وجهته ومقصده.

منذ زمن بعيد، كنت قد قرأت مقالا مطولا عن كتاب كفاحي-mein kampf- وهو الكتاب الشهير الذي كتبه الزعيم الألماني النازي أدولف هتلر.. وهكذا قررت وقتها أن أتعلم اللغة الألمانية لكي أقرأ هذا الكتاب بلغته الأصلية، وبالفعل فإني التحقت خلال العطلة الصيفية بمعهد موريس للغات بالقاهرة، وربما لا يصدقني أحد الآن إذا قلت إن ما دفعته نظير شهر كامل من التعليم كان جنيها مصريا واحدا، أما المدرس الذي كان يشرح لي ولمن كنت معهم فقد كان رجلا نمساويا شديد الأناقة في مظهره، وشديد الدقة في الشرح والتوجيه، وفيما يتعلق بلينين فإن المركز السوفييتي الثقافي تكفل بحصولي على كتب مجانية عديدة عنه، من بينها قصيدة طويلة كتبها شاعر الثورة فلاديمير ماياكوفسكي، وهي مترجمة للغتنا العربية الجميلة، أما غاندي فقد حببني فيه كتاب جميل صغير للعملاق عباس محمود العقاد.

أضحك الآن من نفسي، لأني لم أستطع أن أمزج بين التعصب القومي الأعمى الذي دعا إليه هتلر، والعنف الذي أراد به لينين أن يحقق المساواة بين الطبقات كما تصور، والتسامح الإنساني النبيل الذي انطلق لتحقيقه غاندي، فهؤلاء بالطبع يشكلون متناقضات، لا يمكن مزجها أو صهرها في بوتقة واحدة، وبعيدا عن مرحلة العبث مع الأمواج قرب الشاطئ، فإني أتوقف الآن عند هتلر وحده، بعد أن اكتشفت- منذ عدة أيام قلائل- أنه قد عاد من جديد ليكتسح أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية، رغم ما نعرفه جميعا من أنه قد انتحر هو وعشيقته إيفا براون يوم 30 أبريل سنة1945.. وعلى أي حال، فإن هذا الاكتساح الجديد يختلف تماما عن ذلك الاكتساح الذي أصبح مجرد صفحات مروعة ومفزعة من صفحات تاريخ الصراع الإنساني على وجه الأرض.

على امتداد ست سنوات، اندلعت نيران الحرب العالمية الثانية(1939 – 1945) بعد أن رفع هتلر شعارا مثيرا لإعجاب الجماهير الألمانية وقتها، وهو شعار ألمانيا فوق الجميع، وهكذا اندفعت قواته العسكرية اندفاعا فجائيا للقيام بغزو بولندا، على إيقاع خطبه النازية النارية، وخلال ثلاث سنوات كانت ألمانيا قد اكتسحت معظم دول أوروبا، باستثناء بريطانيا، لكن غرور القوة أعماه عن المصير الذي حاق بجيوشه الجرارة عندما قرر أن يحتل أراضي الاتحاد السوفييتي، فقد حجب ذلك الغرور عن عينيه وعن تفكيره أن يتذكر المصير البائس الذي حاق بجيش نابليون بونابرت عندما حاول قبله غزو روسيا القيصرية سنة 1812، حيث وقف السوفييت- بكل بسالة- يدافعون عن وطنهم، ثم انطلقوا للهجوم المضاد، وأخذوا يطاردون الجيوش الألمانية من أرض إلى سواها إلى أن وصلوا إلى ألمانيا، بل إلى قلب برلين ذاتها، حيث كان هتلر يختبئ في مخبأ سري تحت الأرض، وكان عليه أن يتخذ آخر قراراته، وهو الإقدام على الانتحار، ولم تعد ألمانيا- كما كان يريد- فوق الجميع!

منذ عدة أيام قلائل- كما ذكرت- اكتشفت أن هتلر قد عاد من جديد ليكتسح دول أوروبا، بل ليعبر المحيط، كي يكتسح الولايات المتحدة الأمريكية، لكن هذا الاكتساح لم يرعبني، وإنما أضحكني، لأنه اكتساح بلا قنابل وبلا صواريخ وليس فيه قتل وتدمير، فهو اكتساح يقوم به كتاب كفاحي-mein kampf- الذي كنت قد قررت- خلال مرحلة دراستي الثانوية- أن أتعلم اللغة الألمانية خصيصا لكي أقرأه بلغته الأصلية، فالآن عرفت- من خلال ما قرأت- أن هذا الكتاب قد تصدر قائمة أكثر الكتب الإلكترونية مبيعًا، بسبب إمكانية قراءته على الكمبيوتر اللوحي، بعيدًا عن أعين الآخرين، وفي هذا السياق يقال إن أكثر من 12 ترجمة إنجليزية لكتاب كفاحي قد أُنزلت نحو 100 ألف مرة من موقع واحد على الإنترنت هو موقع Archive الذي يوفر الطبعة الإلكترونية من الكتاب مجانًا.. كما أُدرج الكتاب على قائمة شركة أمازون لأكثر الكتب مبيعًا، إذ تصدر كفاحي الذي يُباع مقابل 99 سنتًا قائمة الكتب المباعة، وفي بريطانيا تصدر كفاحي الإلكتروني، الذي يباع مقابل 99 بنسًا، قائمة الكتب الأكثر مبيعًا.

هتلر اكتسح دول أوروبا في عنفوان جبروته، ثم انتحر سنة 1945 بعد أن تجرع ما تجرع من هزيمة، وها هو كتابه "كفاحي" يكتسح نفس تلك الدول في مستهل سنة 2014، كما يعبر المحيط ليغزو الولايات المتحدة الأمريكية، لكن الكتاب ليس كالإنسان، فالكتاب لا يستطيع الانتحار، وهنا أتوقف لأسأل: ما سر هذا الاكتساح الجديد؟

( الشرق 18/1/2014 )



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات