هل توقف التآمر على ثورة تونس؟

لو توقف التآمر على ثورة ليبيا التي لم تحمل إسلاميين إلى سدة الحكم، لكان بوسعنا أن نقول، إن التآمر على ثورة تونس قد توقف بتنازل حركة النهضة وشريكيها عن الحكم، والاتفاق على الدستور، وحكومة “الكفاءات” الجديدة، في انتظار الانتخابات البرلمانية.
لكن التآمر على ثورة ليبيا لم يتوقف، كما أن ثورة اليمن تمر بدورها بمرحلة من الارتباك جراء تدخل أنظمة الثورة المضادة التي تدعم أحيانا فرقا متناقضة كي تواصل الاشتباك فيما بينها. وإذا كانت لليمن خصوصية لجهة خوف البعض من تحولها إلى دولة قوية بجانب الخليج، بما تملكه من إمكانات بشرية وثروات جيدة إذا أحسن استغلالها، فإن ليبيا لا تؤثر على أولئك القوم إلا من زاوية دفع الناس إلى رفض مبدأ التغيير والثورة، بل حتى الإصلاح، لأن المطلوب هو أن يترحم الجميع على زمن ما قبل الربيع، مع أن ذلك يبدو أشبه بالمستحيل في دولة مثل ليبيا تمتعت بنظام من أكثر الأنظمة رعونة في التاريخ؛ لم يكتف بالدكتاتورية والشمولية، بل أضاف إليها الفساد وتبديد ثروات بلد يمكن أن تكفي أبناء شعبه ليعيشوا أفضل من نظرائهم في سويسرا.
في تونس، لم تترك حركة النهضة فرصة لإنقاذ مسار الثورة إلا واختطته، موقنة بأن المراحل الأولى من أية ثورة، لا يمكن إلا أن تمر بالتوافق، بخاصة حين تأتي في ظل انقسام شعبي وأيديولوجي وحزبي. والحركة تدرك أن الديمقراطية لا تدير القضايا الإستراتيجية، بل تدير الأشياء الأقل أهمية، ولا بد قبل ذلك من تحقيق إجماع ما حول القضايا الأساس.
على أن كل هذه التنازلات التي قدمتها الحركة لم تكن كافية على ما يبدو بالنسبة لأناس يتلقون دعما من الخارج لا يأتي إلا ضمن منظومة تخريب ضرورية، لأن الهدف بالنسبة للممولين هو تخريب الثورة برمتها، بل إن بعضهم لم يجد بأسا في تمني عودة بن علي مظفرا إلى تونس من جديد.
في وعي بعض أنظمة الثورة المضادة هناك هدفان لا بد من تحقيقهما، الأول، هو وقف مسيرة الربيع العربي برمتها من خلال إفشال ما فلت منها، وثانيا، تحطيم ما يسمونه الإسلام السياسي، وفي مقدمته الإخوان، كمقدمة لتحطيم الصحوة الإسلامية التي تعدّ بدورها “المستنقع” الذي ينتج البعوض، والذي لا بد من تجفيفه وصولا إلى قتل كل البعوض، وهي ذاتها النظرية التي آمن بها وطبقها بن علي في تونس، وتمردت عليها الصحوة الإسلامية، ثم تمرد عليها الشعب، بعد أن كانت نتيجتها هي تحويل البلد إلى مركز بوليس وشركة تجارية يتحكم بها بن علي وأقاربه وأصهاره.
ما فعلته النهضة كان حكيما، وهي تعاني من ضغوط العلمانيين ومتطرفي اليسار، في الوقت الذي تعاني فيه من إسلاميين يتهمونها بالتفريط بهوية البلد عبر التنازل عن الشريعة، ويلتقي الطرفان رغم ما بينهما من حرب على إفشال التجربة الوليدة.
تصرفت النهضة بمنطق إنقاذ ما يمكن إنقاذه، لكن الأهم أنها تصرفت بروحية الانتماء للبلد والشعب، ومن منطلق إدراك حقيقة التدرج في تحقيق الإجماع حول القصايا الأساسية، ولذلك لم تجد بأسا في التنازل عن الحكم، وهي واثقة من أن الشعب سيكافئها على هذا السلوك، وحتى لو بقي وضعها على ما هو عليه، أو تقدمت أو تأخرت لاحقا، فإن بلدا يتمتع بالحرية ويحظى بحكومة منتخبة خير ألف مرة من بلد تسوده الصراعات غير المجدية.
ما جرى يفتح باب الأمل بأن أول دولة رسمت لوحة الربيع العربي يمكن أن تنجو من حبال المؤامرة، ويمكن أن تخطو خطوات واثقة نحو دولة الحرية، ودولة الحرية ستكون هي ذاتها دولة الهوية الإسلامية؛ لأن شعب تونس سيبقى وفيا لدينه، ولن يتخلى عنه.
كل ذلك لن يثني أنظمة الثورة المضادة عن العمل، وهي ستضخ أموالا كثيرة من أجل دعم التيار العلماني في الانتخابات المقبلة، وأملها أن تتجاوز تعثرها بإعادة حزب نداء تونس الذي هو وجه آخر من وجوه بن علي إلى السلطة، وإن بتحالف مع أحزاب يسارية بعضها كان مع بن علي بالفعل في المرحلة السابقة. لكن الأمل أن يكون الشعب على وعي بما يجري، ولا يتورط باختيار أناس لا ينتمون إلى ثورته، وليسوا حريصين عليها ولا عليه، بل يريدون إعادة عقارب الساعة إلى الوراء بكل وسيلة ممكنة.
( الدستور 2014-01-22 )