الظلم
إن الظلم سلوك غير محمود بل هو امر بشع لمن يمارسه على غيره من الناس ، بأخذه حقوقهم ، وسلبهم ما يملكون ، وقهرهم بقوة المنصب والسلطة، وكثرة المال المسخر له ولحاشيته ، وهذا المال والجاه والعز والسلطة الذي يتغنى به سيزول ويصبح في يوم ما حطاما ، الآ يدري من يقوم بمثل هذه الأعمال السيئة القميئة من أنه سيقف أمام قوة جبار عظيم ، ولتعلم يا من تظلم غيرك من ان الظلم ظلمات يوم القيامة ، وان القوة لله جميعا ، فلا تغرنك الدنيا بجاهك وعزك وسلطانك الزائل.
فالظلم وخيم العاقبة، شديد النكاية، يُمزِّق أهله كل مُمزّق، ويُبيدهم شرَّ إبادة، ويُخرب الديار، ويقصم الأعمار، ويجعل أهله إلى دمار، فكم قُصِم به من أُمَم، وفُرِّقت به من جماعات، وخُرِّب به من حصون، وأفني به من أجيال، وسقطت به من دولٌ وحكومات، قال تبارك وتعالى: {وَكَمْ قَصَمْنَا مِن قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً وَأَنشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْمًا آخَرِينَ} [الأنبياء:11]، والذين يظلمون الناس بغير حق، ويُعذبون العباد، ويَظنون أن المُلكَ والسُّلطة التي في أيديهم والمال الذي في خزائنهم والقوة التي في أجسادهم هي حصون تمنعهم من الله تبارك وتعالى؛ ألا فليعلموا أن بطش الله شديد، وليتذكروا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ اللَّهَ لَيُمْلِي لِلظَّالِمِ حَتَّى إِذَا أَخَذَهُ لَمْ يُفْلِتْهُ» قَالَ ثُمَّ قَرَأَ: {وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ} [هود:102]، ولما حُبس جعفر بن يحيى بن خالد البرمكي هو وأبوه، قال لأبيه: "يا أبتِ، بعد الأمر والنَّهي أصارنا الدهر القيود، ولبس الصوف، والحبس". فقال: "يا بُني دعوةُ مظلومٍ سرتْ بليلٍ غفلنا عنها ولم يَغفل الله عنها".
وإن من ابشع أنواع الظلم أن يظلم الإنسان نفسه، بتضييع من يعول، فكلنا راع، وكلنا مسؤول عن رعيته، وكل واحد منا لديه مسؤولية بقدر عمله ومنصبه مهما صغر أو عظم ، فرئيس الوزراء دائرة مسؤولياته تشمل كل المؤسسات الحكومية وشبه الحكومية والخاصة التي تشارك فيها الحكومة بنسب مؤثرة في أمور الدولة ، وعليه تقع المساواة بين افراد المجتمع ، وعدم إستغلال المنصب لنفسه ومقربيه ، واحبابه !!.
والوزير له مسؤولية على مستوى وزارته وعليه أعباء القيام بهذا العمل بإخلاص وتفان وعليه عدم إستغلال المنصب بأي شكل من الأشكال وعليه إدارة شؤون وزارته على أكمل وجه سواء كانت هذه الجوانب تنفيذية ، إو إدارية .
فكل واحد حسب مجال عمله مهما كان نوع العمل وحجمه سواء كان وكيلا، أو وكيلا مساعدا مديرا ، مراقبا ، رئيس قسم، موظف، تطلب منه طبيعة عمله القيام بها بأفضل مايجب ان تكون ، لإنه مسؤول في مجاله، وتقصيره في عمله ظلم لذاته ، وظلم لغيره من ناحية أخرى ، فالعدل أساس الملك، وعندما يميل ميزان العدالة يختل النظام.
أعتقد أن هذا الوطن فيه إرث كبير من قوانين وقرارات ولوائح، ودستورهو شاهد على هذه الحقيقة، لما بذله المشرعون،من جهود ليخرجوا لنا بالقوانين، واللوائح المنظمة لمناحي الحياة العامة والخاصة،
ولكن هل هذا يكفي لردع المخالفين لهذه القوانين والتشريعات ، وهل توقف الراقصين ببهلوانية على أنغام الفساد، المتمثل بجيش جرار من المتنفذين والمتمصلحين والمتملقين، دون رادع يردعهم من وطنية أو أخلاق أو دين، أو حتى خوف من ملاحقات قانونية، فلقد غدت لهم جذور في كل تربة من أرض الوطن، ولا عزاء للمخلصين الناصحين؟
إن ما يبعث على الأسى أن ترى شباباً مثل الورود، وقد خط القهر والظلم على وجوههم علامات الإحباط من كثرة ما يواجهونه ويسمعونه من تجبر المسؤولين، فهذا يقدم قريبه، وذاك يدافع عن ابن عمه، وتلك مجموعة جيرت المناصب والمكافآت والمهمات الرسمية في الوزارة وجعلتها (كقالب حلوى) خاص بأفراد عشيرتها، أو أبناء عمومتها، وممارسات كثيرة تقتل كل أمل بالتنمية، إن كان مثل هؤلاء هم من يقودونها.
قد أبدو محبطا أو متشائما مما نواجه وما نعاني من ظلم ذوي القربى ولكن يبقى الأمل بالله كبيرا، فلو خليت بليت، وسيبقى الصالح أكثر من الطالح بفضل الله (ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت السماوات والأرض)، فإنني اذكرالمسؤولين الظالمين في وطني الأردن بأن لهم نهاية مؤلمة في الدنيا قبل الآخرة، فليحذروها فهي قريبة... قريبة جداً، إن لم يرجعوا عن تجبرهم وتكبرهم وطغيانهم فليس دونها إلا دعوة مظلوم، فإن دعى ربه استجاب الله له.
فيا من تظنون أن المُلكَ والسُّلطة التي في أيديكم والمال الذي في خزائنكم والقوة التي في أجسادكم هي حصون تمنعكم من الله تبارك وتعالى؛ ألا فلتعلموا أن بطش الله شديد، ولتتذكروا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ اللَّهَ لَيُمْلِي لِلظَّالِمِ حَتَّى إِذَا أَخَذَهُ لَمْ يُفْلِتْهُ» قَالَ ثُمَّ قَرَأَ: {وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ} [هود:102]، ولما حُبس جعفر بن يحيى بن خالد البرمكي هو وأبوه، قال لأبيه: "يا أبتِ، بعد الأمر والنَّهي أصارنا الدهر القيود، ولبس الصوف، والحبس". فقال: "يا بُني دعوةُ مظلومٍ سرتْ بليلٍ غفلنا عنها ولم يَغفل الله عنها".
وأين أنتم يا من ظلمتم الناس والعباد مما قاله سفيان الثوري رحمه الله تعالى عندما سأله رجل فقال: "إني أخيط ثياب السلطان. هل أنا من أعوان الظلمة؟" فقال سفيان : "بل أنت من الظَّلمة أنفسهم، ولكن أعوانَ الظَّلمة من يَبيع لك الإبرة والخيوط".
فهكذا تكون نهاية الظلمة والطغاة وأعوانهم والراكنين إليهم على مر الأزمان والدهور، ويعجبني كثيراً قول الإمام الحسن البصري رحمه الله تعالى: "خِصلتان من العبد إذا صَلُحتا صلح ما سواهما: الركون إلى الظلمة، والطغيان في النعمة" قال الله عزوجل: {وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ} [هود:113]، وقال الله عزوجل: {وَلَا تطغوا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي} [طه:81].