الدور الأردني العربي

يتزعم الأردن الدبلوماسية العربية عن طريق عضويته في مجلس الأمن، وحضوره الدبلوماسي في المحافل الدوليّة، بالإضافة إلى ما يتمتع به من استقرار نسبي بالمقارنة مع الدول العربية الشقيقة، وخاصة دول الطوق، التي تعيش أوضاعاً داخلية صعبة؛ تجعلها غير قادرة على ممارسة دور قيادي مؤثر على صعيد القضايا العربية والإقليمية، وعلى رأسها القضية الفلسطينية، وهذا يحتم على الأردن التفكير الجدّي بالارتفاع إلى مستوى التحدي، والعمل على تسجيل حضور أردني مؤثر، تفرضه المرحلة وتفرضه الأوضاع العربية القائمة.
الفرصة متاحة أمام الأردن ليحقق انجازاً معتبراً، فيما إذا استطاع مواجهة التحديات بطريقة مدروسة وبرامج عملية سليمة قائمة على رؤية استراتيجية عميقة، ونظرة ثاقبة في قراءة المشهد المحلي والإقليمي بدقة وشمول، وهدوء مصحوب بالعزيمة والأمل، والإصرار على تخطي العقبات، والقفز فوق الحواجز برشاقة متأنية لا تخلو من حسن المغامرة المحسوبة، بعيداً عن منهج الرعب من التجديد والخضوع للقيود التقليدية الصارمة.
يملك الأردن مجموعة من أوراق القوة، التي تجعله يمتلك الفرصة بالنجاح، وفي مقابل ذلك هناك أوراق ضعف تعيق تقدم الأردن إلى الأمام وتحول دون امتلاك الفرصة الناجحة ينبغي الاعتراف بها، من أجل امتلاك القدرة على معالجتها وتقليل اثرها السلبي على تحقيق تقدم ملموس على صعيد الإنجاز، في ظل تقدير حقيقة معروفة تقول إن حجم الدور والقدرة على التأثير ليس مرتبطاً بحجم الدولة من حيث السكان والمساحة والإمكانات الإقتصادية فقط، فهي مؤثرة بكل تأكيد ولكن دائماً هناك عوامل أخرى تبرز من خلال القدرة على الاستثمار في الإنسان وفاعليته، ومن خلال القدرة على خلق الفرص المتاحة وسط التحديات، لأن العاجز وحده هو الذي لا تواتيه الفرص !
الدور الأردني العربي المطلوب يشكل طموحاً مشروعاً لكل أردني، أينما كان موقعه وأينما وجد، سواء أكان في سدة القرار، وصناعة السياسات وفي دوائر التأثير، أو كان في الأوساط الشعبية ومؤسسات العمل المدني، أو في أوساط المعارضة الحزبية الوطنية، التي تمارس الرقابة والنقد والمعارضة الإيجابية عندما تملك رؤية بديلة، ورأياً آخر، لا يخرج عن دائرة الإنتماء الحقيقي الذي يسعى نحو تعظيم دور الدولة وتحسين موقعها على الخريطة الدولية وتطوير أدائها الإيجابي على كل الصعد الخارجية والداخلية.
لا يستطيع الأردن أن يلعب دوراً عربياً مؤثراً على الصعيد الإقليمي وعلى الصعيد الدولي، إلّا إذا استطاع تحقيق القوة الداخلية الحقيقية أولاً وبكل تأكيد ودون أدنى شك، إذ ليس من المعقول لبلد أو دولة تعيش الضعف الداخلي والتفكك والصراع الداخلي أن تستطيع التفكير في امتلاك دور خارجي، فضلاً عن النجاح والإنجاز في هذا المجال، القوة الداخلية تقتضي النظر إلى عدة ملفات والعناية بها على وجه لا يقتضي التأجيل، ويمكن الإشارة اليها على وجه شديد الإختصار.
أولاً: الملف السياسي، الذي يقتضي تحقيق إنجاز جوهري على صعيد التوافق الوطني، عبر حوار وطني شامل، ومدروس بعناية، يفضي إلى تقدم حقيقي ملموس على صعيد الإصلاح السياسي الذي يؤدي إلى تمكين الشعب الأردني من المشاركة الفعلية في إدارة الدولة وتشكيل الحكومات من خلال منظومة تشريعات متكاملة.
ثانياً: الملف الاقتصادي الذي يقتضي التخلص من المديونية، والعجز، خلال سنوات محددة بالرقم، بالإضافة إلى استئصال شأفة الفساد بحزم، ورفع سويّة الإنتاج القومي، وحل مشكلة المياه، ومعالجة الإختلالات التي أضرّت بالاقتصاد الوطني وأطاحت بالطبقة الوسطى وزادت الطبقة الفقيرة فقراً وتهميشاً !
ثالثاً الملف التربوي والتعليمي، الذي ينبغي أن يخضع لخطة ثورية في الإصلاح والتطوير، من أجل إيجاد جيل أردني جديد، متسلح بالعلم والكفاءة العلمية، ومفعم بالإنتماء الوطني العميق الممزوج بالفخر والاعتزاز والأمل، ومنخرط في العمل الوطني بكل ابعاده الرسميّة والأهلية والتطوعية.
رابعاً: ملف الوحدة الوطنية، من خلال عمل سياسي منظم وبرامج عملية على الأرض تعالج الهواجس الداخلية التي يستثمر فيها العدو من أجل نقل معارك المواجهة إلى داخل المجتمعات العربية، عن طريق قصار النظر الذين يستغرقون في الهم الغرائزي والتعصب المقيت .