وصــفـــات لا تـلـزمــنــا...!

تم نشره الأربعاء 05 شباط / فبراير 2014 02:27 صباحاً
وصــفـــات لا تـلـزمــنــا...!
حسين الرواشدة

أدعو الله -دائماً- ألاّ يختبرنا في “وحدتنا” الوطنية، فهي آخر ما تبقى لنا من “عوامل” القوة والصمود في منطقة أججت فيها دعوات الكراهية نوازع الصدام والانقسام والصراع، وحولتنا -بفعل فاعل- إلى “دويلات” داخل هياكل الدولة، وأديان متناقضة داخل حرم الدين الواحد، وجماعات وطوائف ومذاهب متناحرة بعد أن كانت تدور كلها حول “فلك” حضارة عربية إسلامية واحدة.

الدعاء هذا لا يحتاج إلى مناسبة، لكن ثمة مسألتين أيقظته داخلي في هذا الوقت، إحداهما تنطلق بما شهدناه من سجالات “متوترة” على إيقاع خطى كيري وإطاره وجولاته المتكررة في منطقتنا، لدرجة أننا وضعنا أيدينا على قلوبنا خوفاً من الانزلاق إلى “فخ” انقسام سياسي واجتماعي، يمكن أن نعرف أسبابه لكننا بالتأكيد لن نكون قادرين على معرفة نتائجه أو محاصرة تداعياته، ومن المفارقات أن كل أواصر المصاهرة والنسب والدم كادت أن تتلاشى أمام “وهم” مصاهرة سياسية مجهولة الملامح، ومحكوم عليها بالفشل، وكاد البعض من المحسوبين على “النخب” من الطرفين أن ينتزعا منا أسوأ ما فينا، وأن يفرضا على مجتمعنا حالة من الشك والتشفي ومزيداً من الاحتقان.

أما المسألة الأخرى فتتعلق بما شهدناه من احتجاجات ضد قرار الحكومة بمنح دونم من أراضي “العتيق” لأبناء مدينة معان، ومع تحفظنا على ما جرى لاعتبارات عديدة سبق أن ذكرها البعض، ودفعت الحكومة إلى تأجيل تنفيذ القرار، إلا أن ما حدث عكس بوضوح “صورة” مجتمعنا في إطار الإصابات التي طرأت على “عرى” تماسكه ووحدته، والتحولات التي أفقدته “مناعته” الذاتية وقيمه الكبرى، خاصة إذا ما تذكرنا بأن “العونة” بمعناها الاجتماعي الواسع كانت “عنواناً” أساسياً للتكافل والتعاون والإيثار فيه، وبأن أواصر المصاهرة والدم والقربى كانت كفيلة بأن تجعله ينحاز دائماً إلى “العفو” والسماحة لا على صعيد “إسقاط” الحق في الأرض، وإنما في الدم أيضاً ليس استسلاماً ولا ضعفاً ولا تنازلاً، وإنما استجابة لقيم المروءة والنخوة والأخوة التي تقدمت على كل ما عداها من حسابات، إذا اتفقنا على ذلك ما طرأ على مجتمعنا من إصابات عميقة، على صعيد انتشار ظواهر “العنف” والسطو “والخاوة” والبلطجة، وعلى صعيد انتشار مظاهر “التسلح” واتساع مناطق الولاءات الفرعية، والإحساس بتراجع هيبة الدولة والقانون، وتنامي الشعور “بالاحباط” والانسحاب من العمل في المجال العام، والتغيرات التي طرأت على الواقع الديمغرافي بفعل عوامل التهجير الداخلي والخارجي، والتوظيف السياسي “للتجاذبات” داخل المجتمع.. وغيرها من العوامل التي تساهم في إدامة مصادر الفزع والتوجس وفي إيقاظ نوازع القطيعة والصدام، فإن صورة مجتمعنا التي نراها أمامنا (وهي تعكس بالضرورة واقعنا) تبدو مفزعة معاً وهي لا تحتاج لكثير من الدعاء فقط وإنما للعمل أيضاً، خاصة إذا ما تذكرنا بأن سلامة المجتمع من الانقسام والتفتت هي “خط” دفاعنا الأول، وبأن متانة جبهتنا ووحدتنا الوطنية هي سلاحنا لدفع العاديات -وما أكثرها- ورد “الموبقات” وأخطارها، مهما كانت مصادرها.

إن مشكلة بلدنا لا تتعلق أبداً “بتنوع” الأصول فيه، ولا باختلاف المشارب الفكرية والسياسية، وإنما بغياب “الإطار” الجامع، وغياب الإرادة السياسية عن “الاستثمار” في هذا التنوع، بدل استخدامه لغايات مؤقتة وناشزة أحياناً.

بصراحة، حين أشرت “للوصفات” التي لا تلزمنا، كنت أفكر في وضع نقطة على آخر السطر، لكن لكي لا تفوتني الفكرة أعتقد بأن المسألة تستحق الاستطراد، فقد “ابتلينا” بالعديد من الوصفات” والمقررات التي ساهمت في خلخلة مجتمعنا، منها ما هو من صنع أنفسنا، ومنها ما هو بفعل استحقاقات وضغوطات دولية وإقليمية، وقائمتها -بالطبع- طويلة، ابتداءً من قانون الانتخاب، إلى تعطيل مشروع الإصلاح إلى صناعة الاستقواءات وتغليب منطق اللحظة، إلى أزمة اللجوء السوري إلى “فخ” كيري.. وهي وصفات لا نريد أن نعلق عليها بأكثر من كلمتين: أنها لا تلزمنا.. لأن الحفاظ على وحدتنا الوطنية أهم وأولى منها.

( الدستور 2014-02-05 )



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات