صندوق النقد الدولي جزار أم جراح؟

ليس عيباً أن تطبق دولة ما برنامجاً للتصحيح الاقتصادي بإشراف صندوق النقد الدولي، العيب يكمن في السماح للوضع المالي بالتدهور لدرجة تجعله بحاجة إلى هذا البرنامج.
لا يستطيع منصف أن يجادل صندوق النقد الدولي في صحة الوصفة التي يقدمها للحكومات المأزومة، فالاتجاهات والتفاصيل صحيحة علميأً. السؤال: لماذا نحتاج للصندوق لكي يرشدنا إلى الطريق الصحيح ويردنا عن التوغل في الانحراف؟.
بعض الذين يهاجمون برنامج التصحيح الاقتصادي ينطلقون من عموميات وشعارات مثل الخضوع لإملاءات الصندوق، دون أن يحددوا الإملاءات التي يعترضون عليها أو يقترحوا بديلاً لها.
الحكومات الأردنية المتعاقبة مسؤولة عن إيصال الأمور إلى ما وصلت إليه مما فرض اللجوء إلى الصندوق، ولكن أصحاب الأصوات العالية من طلاب الشعبية مسؤولون أيضاً، فهم الذين يضغطون من أجل التوسع في الدعم الاستهلاكي، وتخفيض الأسـعار، وزيادة الرواتب، وتخفيض الضرائب، دون مراعاة للموارد المحدودة. وهذه وصفة مؤكدة للأزمة التي تستدعي دعوة خبراء الصندوق ليفحصوا وينصحوا، ومع النصيحة (الشروط) يأتي توفير التمويل اللازم بحيث يمكن القيام بعملية الإصلاح بأقل كلفة اجتماعية، وعلى مدى زمني معقول، بدلاً من العلاج بالصدمة.
أهل اليمين من الإخوان المسلمين وأهل اليسار من الأحزاب القومية واليسارية، يرفعون شعارات من شأنها دفع البلد إلى أحضان صندوق النقد الدولي عن طريق توسيع فجوة العجز المالي في الموازنة وما يتبع ذلك من التورط في المديونية التي تتجاوز حدود الأمان.
الذي يؤيد السياسات والقرارات التي يقترحها الصندوق هو الذي حذر وقرع أجراس الخطر وانتقد السياسات المؤدية إلى الأزمة والحاجة للصندوق، ولكن أحدأً لم يسمع.
صندوق النقد الدولي مكروه مثل طبيب الأسنان، لا تذهب إليه إلا إذا كنت تشعر بألم لا يطاق. وهو يستعمل أدوات قاسية ومزعجة، ولكن الذنب ليس ذنبه بل ذنب المريض الذي لم ُيراع ِ القواعد الواجبة لصحة الفم والأسنان، وعليه الآن أن يخضع لأوامر الطبيب ويدفع الثمن.
الحكومة المسؤولة لا تنتظر التعليمات من الصندوق، فالمفروض أنها أحرص على مصلحة الاقتصاد الوطني وحمايته وعليها أن تفرض على نفسها إجراءات أشد وأعمق مما يطلب الصندوق.
القرارات التي يقترحها الصندوق وتتهم بالقسوة ليست كافية، فهو متساهل، بغض النظر عن التقصير، ويلتمس الأعذار بالظروف الخارجية، ويدّعي أن تطبيق برنامج التصحيح يسير بالطريق الصحيح خلافاً للواقع.
( الرأي 2014-02-07 )