أين نحن كثورة؟

تم نشره السبت 08 شباط / فبراير 2014 01:53 صباحاً
أين نحن كثورة؟
ميشيل كيلو

عندما أعطيت صوتي لذهاب «الائتلاف الوطني» إلى جنيف، كانت حساباتي تنطلق من المحاكمة التالية: توجد في سوريا أزمتان متداخلتان، تغطي وتحجب إحداهما الأخرى؛ هما: الأزمة الناجمة عن علاقة النظام الاستبدادي العنيف والقاتل مع شعب سوريا المطالب بحريته سلميا وقانونيا، وتلك التي أخذت تحجبها وترتبت على تدخلات خارجية هدفها تصفية حسابات إقليمية ودولية بدماء السوريين، مع أنهم ليسوا طرفا فيها، وحرْفُ ثورتهم عن طابعها الأصلي وأهدافها المعلنة وتحويلها إلى قتال طائفي وأهلي متنوع الأشكال والمرامي، يزيدان من استعارة عنف النظام وانخراط تنظيمات جهادية وقاعدية متنوعة في القتال الدائر فيها، كان قد فبرك بعضها، أو استدعاها إلى الساحة السورية للعب دور فيها يكمل أدوارها ضمن الساحات العربية والإسلامية الأخرى.

بما أن «جنيف 1» ركز على حق شعب سوريا في نيل الحرية، ولم ينصبّ على تسوية تدخلات الدول في سوريا، فقد كان من الضروري وطنيا الموافقة عليه، وقبول التفاوض حول تطبيق وثيقته والقرار 2118 المكمل له تحت إشراف أممي رفيع يقر بحقوق السوريين عامة وحقهم في تشكيل «هيئة حاكمة انتقالية ذات صلاحيات تنفيذية كاملة» تنقلهم إلى نظام ديمقراطي بديل لنظام الأسد الاستبدادي، أساسه إرادتهم الحرة ومطالبتهم بالعدالة والمساواة والكرامة. هذا القبول كان له معنيان؛ أولا: أن موضوع جنيف لن يكون تسوية تدخلات وصراعات الخارج، التي لعبت دورا مخيفا في إطالة أمد معضلتنا وعقدتها، وطمست الثورة وكادت تبطل شرعيتها. وثانيا: أن أساس أي حل هو النظام الانتقالي الذي نطالب به وليس نظام الأسد الإجرامي، الذي أكد تفاهم جنيف الدولي ضرورة إزالته، بعد أن أذاقنا الأمرين طيلة نصف قرن، وحين طالبناه بأبسط حقوقنا شرع يقضي علينا كشعب، وشن حربا فائقة التنظيم علينا بقوى جيشه ومخابراته وشبيحته، كان قد خطط لها وتدرب عليها كل يوم من أيام حكمه الطويل!

ذهب الائتلاف إلى جنيف بهذا الفهم. ومع أنه لم يباغَت بموقف أزلام وصبيان المخابرات، وعلى رأسهم بشار الجعفري، وكمنت مهمة وفده في إفشال جنيف ودفع الائتلاف إلى الانسحاب منه، بسبب الوابل الكثيف من الشتائم والسباب والإهانات الماسة بوطنية وكرامة أعضائه، الذي وجد نفسه عرضة له - غير أن الائتلاف أراد إعطاء فرصة لجهود الحل السياسي الدولية، وتعامل بكبرياء وبروح وطنية أصيلة مع تفاهات الوفد الرسمي، واتخذ موقفا يتصف بالمسؤولية تجاه شعب سوريا وحقوقه، بينما كان وفد الأسد يتنكر أن له حقوقا إنسانية، بحجة أنه شعب إرهابي وأن النظام لن يسمح بإطعام «إرهابيين»، وأن الشعب ليست له أي حقوق غير الحق في الرضوخ والاستسلام دون قيد أو شرط للأسد. في طور تال من التفاوض، رفض الوفد الأسدي فكرة الإفراج عن المعتقلين بدءا بالأطفال والنساء، وعرض تبادل عدد محدود من المعتقلين لديه بالمختطفين لدى المعارضة، قبل أن يقبل مناقشة وثيقة جنيف ويعلن تحفظه على فقرات منها وعلى القرار 2118 الذي يرى أن الحل يجب أن «يبدأ بتشكيل الهيئة الحاكمة الانتقالية كاملة الصلاحيات التنفيذية»، التي ستنقل سوريا إلى النظام الديمقراطي البديل.

واليوم، وقبل أيام من استئناف المفاوضات، تقول مواقف روسيا والأسدية إن أساس الحل هو النظام وليس الشعب، ويقدم الطرفان تفسيرات لا وجود لما يعادلها من معان في الوثيقة والقرار الدولي، كالقول بتشكيل لجان تسبق قيام الهيئة، مهمة إحداها وقف إطلاق النار، وإلغاء ما يقوله القرار حول «أولوية تشكيل الهيئة الحاكمة» بتوافق الطرفين كي تشرف على وقف إطلاق النار وسحب الجيش من المدن وتطبيق مبادرة كوفي أنان ببنودها الستة. في الوقت نفسه، يحول الروس الانتقال إلى النظام الديمقراطي البديل إلى انتخابات يتم خلالها اختيار الرئيس الذي سيناط به حكم البلاد، على أن يكون الأسد بين المرشحين، ما دام الدستور السوري يسمح له بترشيح نفسه. يقول القرار الدولي إن من صلاحيات الهيئة إلغاء الدستور وممارسة وظائف الأسد كاملة، وخاصة حيال الجيش والأمن والقضاء، وإنه لن يكون للأسد أي دور في حاضر سوريا ومستقبلها، فيقول الروس عكس ما وافقوا عليه في جنيف والقرار 2118، ويلغون مرحلة الانتقال بكاملها، ويعيدون الأسد إلى سدة الرئاسة ودوره الذي يبطله القرار إبطالا تاما.

نواجه اليوم المشكلة التي حالت دون وقف المذابح ضد شعبنا: مشكلة الخلاف الدولي حول الحل، الذي يتحول اليوم إلى خلاف حول قراءة وتفسير وثيقة جنيف والقرار 2118، يعني استمرارُه وضعَ المماحكات النابعة منه في خدمة النظام ومنحه فرصا جديدة لمواصلة مذابحه، والحؤول دون إيجاد حل سياسي في وطننا.

لا بد أن يقف الائتلاف من الآن فصاعدا أمام الخلاف الدولي حول قراءة ما يجري، وأن يواجه اختلاف المصالح والرهانات الدولية المتصارعة داخل بلادنا وخارجها، بعد أن صار جليا أن «جنيف 1» والقرار 2118 لم - وربما لن - ينجحا في إخراجنا من كارثة تعززها هذه الخلافات، ويلزمنا استمرارها إجراء مراجعة عميقة لمواقفنا، في لحظة بالغة الصعوبة والتعقيد من مصير شعبنا، الذي يعلق آماله على حل عادل، لكن النظام يمارس سياسات تقوم على إبادته وإفراغ سوريا منه!

( الشرق الاوسط 8/2/2014 )



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات